ومضى فى القصيدة يصف أخذه من كل علم بطرف وبصره بالصيد وشئونه وأنه ليس قصيرا ولا مفرط الطول، مع صباحة الوجه ولطافة المزاج. فوصله الفضل وخفّ على نفسه ونفس أبيه يحيى وأخيه جعفر، وقرب من قلوبهم جميعا حتى صار صاحبهم وحظيّهم. وقد نوّه بالفضل طويلا حين قضى على ثورة يحيى ابن عبد الله العلوى بالديلم لسنة ١٧٥ للهجرة وجاء به إلى بغداد، وكان قد طلب الصلح حقنا للدماء، وفى ذلك يقول أبان مخاطبا الرشيد:
هنيئا أمير المؤمنين لك الظّفر ... فقد تمّت النّعمى وقد ساعد القدر
أتاك بيحيى الفضل سلما يقوده ... مقرّا ولولا يمن جدّك ما أقرّ
ويظهر أنه كان يتشيع للعلويين تشيعا يستره ولا يظهره، ففى أخباره أنه عتب على البرامكة أنهم لا يصلونه بالرشيد، ذاكرا لهم أمنيته فى أن يحظى من جوائزه السنية ما يحظى به مروان بن أبى حفصة، فقالوا له إنه إنما يحظى بتلك الجوائز لدفاعه عن حق البيت العباسى فى الخلافة ورده على العلويين ردّا عنيفا، فاسلك طريقه إن شئت، فقال: لا أستحلّ ذلك. ثم حليت فى عينه صلات الرشيد، فراجع نفسه ونظم فيه مدحة طويلة يقول فى تضاعيفها:
نشدت بحقّ الله من كان مسلما ... أعمّ بما قد قلته العحم والعرب
أعمّ رسول الله أقرب زلفة ... لديه أم ابن العمّ فى رتبة النّسب
وأيهما أولى به وبعهده ... ومن ذا له حقّ التراث بما وجب؟
فإن كان عباس أحقّ بتلكم ... وكان علىّ بعد ذاك على سبب
فأبناء عباس هم يرثونه ... كما العمّ لابن العمّ فى الإرث قد حجب
ولم يكد يفرغ من إنشاد القصيدة بين يدى الرشيد حتى أمر له بعشرين ألف درهم واتصل مدحه به. وبلغ من عظم قدره عند يحيى بن خالد أن قلّده ديوان الشعر فكان الشعراء يرفعون إليه أشعاره فى البرامكة، فيسقط منها ما يرى إسقاطه ويعرض ما يرى أنه خليق بالعرض، مميزا بينهم مقدرا لكل منهم المكافأة التى يستحقها جزاء إحسانه. وحدث أن تقدم إليه أبو نواس بقصيدة مع طائفة