للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الشعراء، فأمر له بدرهم ناقص، وفى رواية أنه أسقط قصيدته، فاغتاظ غيظا شديدا، وهجاه وتبادلا الهجاء طويلا. ويقال إن الهجاء بينهما إنما اندلعت تارة لأن يحيى بن خالد كان قد تقدّم إلى أبى نواس بنظم كليلة ودمنة فزيّن له أبان أن يستعفى يحيى من النهوض بهذا العمل المضنى، ثم حبس نفسه فى بيته لا يخرج منه حتى فرغ من نقلها إلى الشعر فى أربعة أشهر بالغا بها أربعة (١) عشر ألف بيت. وحمل نقله إلى يحيى بن خالد، فأعطاه عليه مائة ألف درهم، وفى رواية أنه أعطاه عليه عشرة آلاف دينار وأعطاه الفضل خمسة آلاف. فحزن أبو نواس ووجد عليه وجدا شديدا، وأخذ يقتصّ منه بهجاء مرير، وردّ عليه أبان، فاشتعلت بينهما معركة هجاء عنيفة، كان أبو نواس دائما هو الذى يكثر فيها من السهام المسمومة.

وقد أتاه كثيرا من ثغرة زندقته، وروى له الجاحظ فى حيوانه هجائية من هذا اللون، وهو يتهمه فيها بأنه مانوى وأنه يتشبه بمطيع بن إياس ووالبة وحماد عجرد وغيرهم من المجان، ولا ينفى الجاحظ تهمة الزندقة عن أبان غير أنه ينفى أن يوضع مع مطيع وأمثاله فى كفة واحدة، يقول: «ولقد كان أبان وهو سكران أصحّ عقلا من هؤلاء وهم صحاة». ويقول ابن المعتز موازنا بينه وبين أبى نواس: «كان فى جميع أحواله أرفع طبقة من أبى نواس، وقد هجاه أبو نواس بشعر كثير فما سار له فيه شئ على شهرة شعره، ولم يقل فى أبى نواس غير ثلاثة أبيات، وقد سارت فى الدنيا، وهى هذه:

أبو نواس بن هانى ... وأمّه جلّبان (٢)

والناس أفطن شئ ... إلى حروف المعانى

إن زدت بيتا على ذى ... ما عشت فاقطع لسانى

وهى أبيات لاذعة. ويروى الرواة أنه كان له جار يعاديه، فاعتلّ علة طويلة، وأرجف أبان بموته، ثم صحّ من علته، وخرج فجلس على بابه، وإذا أبان ينشده أهجية، فلم يلبث أن أرعد منها واضطرب، ودخل منزله فما خرج منه حتى


(١) فى ابن المعتز: أن أبانا إنما بلغ بها خمسة آلاف بيت.
(٢) الجلبان: شجرة الورد، وهو اسم أم أبى نواس، وكأن أبانا يتخذ من ذلك مغمزا له.

<<  <  ج: ص:  >  >>