للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مات. وكان يحسن الرثاء، ومرثيته التى رواها الصولى فى سوار بن عبد الله قاضى البصرة من أجود المراثى، وهى طويلة طولا مسرفا.

وأهم ما نهض به أبان فى الشعر نظمه لكليلة ودمنة، وقد نظم بجانبها-كما مرّ بنا فى غير هذا الموضع-أرجوزة مزدوجة فى الصوم والزكاة ومزدوجات أخرى فى التاريخ الفارسى وقصيدة فى نشأة الخلق وعلم المنطق. وبذلك مكّن لشيوع الشعر التعليمى فى العربية، ونكتفى هنا بقطعة من هذا الشعر افتتح بها باب الأسد والثور فى كليلة ودمنة، وهى تمضى على هذه الشاكلة:

وإن من كان دنى النّفس ... يرضى من الأرفع بالأخسّ

كمثل الكلب الشقّى البائس ... يفرح بالعظم العتيق اليابس

وإن أهل الفضل لا يرضيهم ... شئ إذا ما كان لا يعنيهم

كالأسد الذى يصيد الأرنبا ... ثم يرى العير المجدّ هربا (١)

فيرسل الأرنب من أظفاره ... ويتبع العير على أدباره

وتطّرد أرجوزته فى كليلة ودمنة وفى كثير من الموضوعات التعليمية التى عنى بالنظم فيها على هذا النمط المزدوج الذى اصطفى له لغة جزلة متينة طالما راعت معاصريه ومن تلاهم، حتى ليقول ابن المعتز فى التعريف به: «كان شاعرا أديبا، عالما ظريفا، منطيقا، مطبوعا على الشعر مقتدرا عليه. . وهو الذى نقل كليلة ودمنة شعرا بتلك الألفاظ الحسنة العجيبة. . ولم يقدر أحد من الناس أن يتعلق عليه بخطأ فى نقله، ولا أن يقول: ترك من لفظ الكتاب أو معناه». وترجم الصولى لأخيه عبد الله وابنه حمدان وحفيده أبان. ونظن ظنّا أنه ظل مشغولا بعد البرامكة بشعره التعليمى، حتى توفى سنة ٢٠٠ للهجرة، فإنه لم يؤثر له شعر فى مديح الأمين ولا فى مديح المأمون وقواده ووزرائه.


(١) العير: حمار الوحش.

<<  <  ج: ص:  >  >>