للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنعى فتى الجود إلى الجود ... ما مثل من أنعى بموجود

أنعى فتى مصّ الثرى بعده ... بقيّة الماء من العود

فالأرض يبست أشجارها بموته. ومن مراثيه الرائعة التى رواها أبو تمام فى حماسته مرثيته فيمن يسمى ابن سعيد وفيها يقول:

مضى ابن سعيد حين لم يبق مشرق ... ولا مغرب إلا له فيه مادح

وما كنت أدرى ما فواضل كفّه ... على الناس حتى غيّبته الصّفائح (١)

فأصبح فى لحد من الأرض ميّتا ... وكانت به حيّا تضيق الصحاصح (٢)

سأبكيك ما فاضت دموعى فإن تغض ... فحسبك منى ما تجنّ الجوانح (٣)

وما أنا من رزء وإن جلّ جازع ... ولا بسرور بعد موتك فارح

كأن لم يمت حىّ سواك ولم تقم ... على أحد إلا عليك النوائح

لئن حسنت فيك المراثى وذكرها ... لقد حسنت من قبل فيك المدائح

وغزله رقيق وله خمريات قليلة. وواضح مما أنشدناه له أنه كان غزير المعانى رشيق الأسلوب وأن قصائده الجياد تعد من عيون الشعر فى هذا العصر ودرره النفيسة، وقد عاش حتى شهد قتل الأمين فى سنة ١٩٨ إذ روى له الصولى قصيدة فى مديح طاهر بن الحسين الذى حاصره إلى أن ظفر به وقتل صبرا، وفى ذلك يقول مخاطبا له:

سلبت رداء الملك ظالم نفسه ... وصنت الذى ولاّك قصم الجبابر

وأكبر الظن أنه توفى بعد ذلك بقليل.


(١) الصفائح: الحجارة العراض فى سقف القبر.
(٢) الصحاصح: الأرض الواسعة المستوية
(٣) تجن: تضمر. الجوانح: الضلوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>