للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إبراهيم الموصلى وابنه إسحق، ثم اتصل بالرشيد والبرامكة ومدحهم جميعا ونال جوائزهم، ويقال إنه أخذ من يحيى البرمكى وبنيه مائة ألف درهم، وقد جلّى فى حادثة مشهورة، ذلك أن الرشيد هزم نقفور صاحب بيزنطة هزيمة ساحقة جعلته يركع على قدميه ويؤدى له الجزية التى افترضها صاغرا. ورجع الرشيد إلى الرقة.

فلما سقط الثلج وأمن نقفور أن يغزى نقض الصلح المعقود، وحار وزراء الرشيد كيف يخبرونه، ثم رأوا أن يخبره بذلك بعض الشعراء، وسرعان ما دبّج التيمى قصيدة حماسية رائعة ضمّنها الخبر. ودخل على الرشيد فأنشدها بين يديه قائلا:

نقض الذى أعطاكه نقفور ... فعليه دائرة البوار تدور

أبشر أمير المؤمنين فإنّه ... فتح أتاك الإله كبير

نقفور! إنك حين تغدر أن نأى ... عنك الإمام لحاهل مغرور

أظننت حين غدرت أنك مفلت ... هبلتك أمّك ما ظننت عرور

أبقاك حينك فى زواخر بحره ... فطمت عليك من الإمام بحور (١)

واهتز الرشيد طربا بشعره ونشر عليه الدرّ. وزحف جيوشه حتى أناخ على هرقلة، فافتتحها عنوة، وذلّ نقفور وذلّت الروم.

ويقول صاحب الأغانى إن التيمى اتصل بيزيد بن مريد، فلم يزل منقطعا إليه حتى مات، وليس بين أيدينا ما يصوّر مدائحه له، وقد بكى فيه بطولته وذياده عن حياض الدولة وفتكه بأعدائها فتكا ذريعا حين اختطفه الموت، وفى ذلك يقول من مرثية رائعة تعد من أجود مراثى العصر:

أحقّ أنه أودى يزيد ... تبين أيها الناعى المشيد (٢)

أتدرى من نعيت وكيف فاهت ... به شفتاك؟ ! كان بك الصّعيد (٣)

أحامى المجد والإسلام أودى ... فما للأرض ويحك لا تميد (٤)

تأمّل هل ترى الإسلام مالت ... دعائمه وهل ساف الولد


(١) الحين: الموت والهلاك.
(٢) أودى: مات.
(٣) الصعيد هنا: القبر
(٤) تميد: تتحرّك وتهتز.

<<  <  ج: ص:  >  >>