ونرى القدماء يلقبونه تارة بالأعور وتارة بالأعمى، ويظهر أنه فقد إحدى عينيه مبكرا، ثم فقد الأخرى بعد ما أسنّ، وله أشعار كثيرة، يبكى فيها عينه وبصره، أنشدنا منها قطعة فى الفصل الرابع، ومن طريف ما نسوقه له هنا قوله:
إذا ما مات بعضك فابك بعضا ... فإن البعض من بعض قريب
يمنّينى الطبيب شفاء عينى ... وهل غير الإله لها طبيب
وقوله:
كفى حزنا أن لا أزور أحبّتى ... من القرب إلا بالتكلف والجهد
وأنى إذا حيّيت ناجيت قائدى ... ليعدلنى قبل الإجابة فى الرّدّ
وفى أشعاره نزعة واضحة إلى التدقيق فى المعانى، وهو تدقيق أداه إلى الوقوف عند الطباع وتحليلها تسعفه فى ذلك ملاحظات نافذة وقدرة على النظرة الكلية فى الأشياء، ومن خير ما يمثل ذلك عنده قوله:
الناس أخلاقهم شتّى وإن جبلوا ... على تشابه أرواح وأجساد
للخير والشر أهل وكّلوا بهما ... كلّ له من دواعى نفسه هاد
وقوله:
ودون النّدى فى كلّ قلب ثنيّة ... لها مصعد حزن ومنحدر سهل
وودّ الفتى فى كل نيل ينيله ... إذا ما انقضى لو أن نائله جزل
ونراه يصور الكرم تصويرا بديعا، إذ يجعله فى بشر المضيف وحسن استقباله لا فى طعامه وكثرة ذبائحه، يقول:
أضاحك ضيفى قبل إنزال رحله ... ويخصب عندى والمحلّ جديب
وما الخصب للأضياف أن يكثر القرى ... ولكنما وجه الكريم خصيب
ومما يجرى هذا المجرى من دقة التفكير وطرافته قوله السائر فى الآفاق:
ولست بنظّار إلى جانب الغنى ... إذا كانت العلياء فى جانب الفقر