للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وممن تولع بهجائهم على بن الهيم أحد كتاب الدواوين، وكان يتقعر فى كلامه، حتى ليؤذى من يجالسونه بكثرة ما يورد عليهم من غريب، وله يقول:

لا تشادق إذا تكلمت واعلم ... أن للناس كلّهم أشداقا

وحدث فى أثناء رفقته لعثمان بن خريم فى ولايته على أرمينية أن عقد له فى بعض حروبه للترك على أشراف ممن معه، فكرهوا ذلك، وما زالوا به، حتى عزله، وأثاره هذا الحادث، فنظم قصيدة فخر فيها بآبائه من الصّغد، وفيها يقول:

أبالصّغد بأس إذ تعيّرنى جمل ... سفاها ومن أخلاق جارتى الجهل

فإن تفخرى يا جمل أو تتجمّلى ... فلا فخر إلا فوقه الدين والعقل

أرى الناس شرعا فى الحياة ولا يرى ... لقبر على قبر علاء ولا فضل (١)

وما ضرّنى أن لم تلدنى يحابر ... ولم تستمل جرم علىّ ولا عكل (٢)

وقد سلكه بعض الباحثين من العرب والمستشرقين فى أصحاب نظرية الشعوبية لجريان هذا الفخر على لسانه، وهو لا يستمد فيه من شعوبية، إنما يستمد من نظرية الإسلام التى تسوى بين الناس عربا وموالى، فلا فضل لعربى على عجمى إلا بالتقوى. وفى أشعاره ما يدل على حسن تدينه وأنه لم ينغمس فيما انغمس فيه بعض معاصريه من مجون أو زندقة يقول داعيا إلى الزهد والتقوى والعمل الصالح:

تزوّد من الدنيا متاعا لغيرها ... فقد شمّرت حذّاء وانصرم الحبل (٣)

وهل أنت إلا هامة اليوم أو غد ... لكل أناس من طوارقها الثّكل

وفى الأغانى بترجمة حماد الراوية خبر يدل على معاشرته للمجان، ولعله مكذوب، لتأخر عصره عن عصر حماد، وقد رويت له أشعار قليلة فى الغزل، وقيل إن أول ما نظمه قوله:

بقلبى سقام لست أحسن وصفه ... على أنه ما كان فهو شديد

تمرّ به الأيام تسحب ذيلها ... فتبلى به الأيام وهو جديد


(١) شرعا: متساوين لا فضل لأحدهم على الآخر.
(٢) يحابر وجرم وعكل: قبائل عربية
(٣) حذاء: سريعة الإدبار.

<<  <  ج: ص:  >  >>