فهل يرجعن عيشى وعيشك مرة ... ببغداد دهر منصف لا نعاتبه
عسى ولعل الله يجمع بيننا ... كما لاءمت صدع الإناء مشاعبه
وممن مدحهم المأمون وأبو دلف قائده، وكان أبو دلف شاعرا بليغا محكم القول، ولعل ذلك ما جعله يصف شعره له فى بعض مديحه بقوله:
له كلم فيك معقولة ... إزاء القلوب كركب وقوف
وهو تصوير دقيق. ولاحظ بعض معاصريه أن مدائحه التى دبّجها فى ممدوحيه أحسن من مراثيهم فيهم وأجود، وسأله فى ذلك، فقال: كنا يومئذ نعمل على الرجاء، ونحن اليوم نعمل على الوفاء وبينهما بون بعيد! ومن بديع رثائه قوله:
وأعددته ذخرا لكل مصيبة ... وسهم المنايا بالذخائر مولع
ولو شئت أن أبكى دما لبكيته ... عليه ولكن ساحة الصبر أوسع
وله فى بغداد حين رماها طاهر بن الحسين بالمجانيق فى فتنة الأمين، فأحرق كثيرا من قصورها، وهدم بعض أحيائها، مرثية طويلة امتدت إلى مائة وخمسة وثلاثين بيتا، بكاها فيها، وندبها ندبا حارّا، موازنا ماضيها وحاضرها ومصورا ما كان فيها من مجون وإثم وما صارت إليه أحياؤها من هذا الدمار الذى صبه الله عليها جزاء طغيانها وفسوقها، وفيها يقول:
يا بوس بغداد دار مملكة ... دارت على أهلها دوائرها
أمهلها الله ثم عاقبها ... لما أحاطت بها كبائرها
رقّ بها الدّين واستخفّ بذى ال ... فضل وعزّ النّسّاك فاجرها
وصار ربّ الجيران فاسقهم ... وابتزّ أمر الدروب شاطرها
وهو فى القصيدة ينتصر للمأمون. ونراه يتعرض بالهجاء إلى أبى دلف العجلى ويظهر أنه لم يثبه بما كان يبتغيه منه، فتحول يهجوه بمثل قوله:
إنى وجدت أخى أبادلف ... عند الفعال مولّد الشّرف