للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يقبس الجار منهم فصل نارهم ... ولا تكفّ يد عن حرمة الجار

وأبو عيينة أشعر الثلاثة، ويقول ابن المعتز إنه «أحد المطبوعين الذين لم ير فى الجاهلية والإسلام أطبع منهم، وهم بشّار وأبو العتاهية والسيد الحميرى وأبو عيينة».

وقد استغل موهبته فى فنين هما الهجاء والغزل، وأكثر هجائه فى ابن عمه خالد ابن يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب إذ صحبه معه فى جنده حين توجّه إلى جرجان واليا عليها للمهدى وكان خالد قد أوسع له فى الأمانى وأنه سيغدق عليه ويوليه بعض الولايات، ولما نزل جرجان جفاه وتنكّر له، فبسط لسانه فيه وذكره بكل قبيح عند أهل عمله ووجوه رعيته. وعبثا حاول أبو عيينة أن يتخلص منه ومن الجندية، فشكاه إلى الهادى وكان قد ولى الخلافة بعد أبيه، فأمر له بصلة وأقفله من جيش خالد، فعاد وهو يهتف بهجائه، وأكثر منه كثرة تدل على قوة طبعه وخصبه، ومن قوله فيه:

لقد خزيت قحطان طرّا بخالد ... فهل لك فيه-يخزك الله-يا مضر

دنئ به عن كل خير بلادة ... لكلّ قبيح عن ذراعيه قد حسر

له منظر معمى العيون سماجة ... وإن يختبر يوما فيا سوء مختبر

أبوك لنا غيث نعيش بوبله ... وأنت جراد ليس يبقى ولا يذر

له أثر فى المكرمات يسرّنا ... وأنت تعفّى دائما ذلك الأثر

تسيئ وتمضى فى الإساءة دائبا ... فلا أنت تستحيى ولا أنت تعتذر

ويقال إن الرشيد أنشد البيت الأول، فقال: بل الخزى موفّر على قحطان.

وقد عرف كيف يخزه وخز الإبر لا بما صور فيه خزيه الذى عمّ به عشيرته وأخلاقه السيئة وغباوته، بل أيضا بموازنته بينه وبين أبيه جامعا فى البيت الواحد بين المديح والهجاء. وهو يكثر فى هجائه من الاستخفاف به والسخرية سخرية شديدة، مع الإقذاع ومع الغمز واللمز، ومن طريف ماله فيه قوله:

خالد لولا أبوه ... كان والكلب سواء

لو كما ينقص يزدا ... د إذن نال السماء

<<  <  ج: ص:  >  >>