وما وجد العذرىّ إذ طال وجده ... بعفراء حتى سل مهجته الوجد
كوجدى غداة البين عند التفاتها ... وقد شفّ عنها دون أترابها البرد
فقلت لأصحابى هى الشمس ضوءها ... قريب ولكن فى تناولها بعد
وفى أشعاره ما يدل على أنه فارق البصرة مع ابن عمه خالد بن يزيد طلبا للسّلوى عنها، ولكنه ظل هناك يذكرها ويذكر حبها متغنيّا به وبها، وعاد يدور حول بيتها لا يستطيع كظم حبه، بل يعلنه إعلانا ويكرر هذا الإعلان مازجا له بكثير من التضرع والاستعطاف. وصاحبته لا تعنى به ولا تكترث، هو يزداد بها شغفا وهياما ناظما فيها أشعاره البديعة من مثل قوله:
ضيّعت عهد فتى لعهدك حافظ ... فى حفظه عجب وفى تضييعك
ونأيت عنه فماله من حيلة ... إلا الوقوف إلى أوان رجوعك
متخشّعا يذرى عليك دموعه ... أسفا ويعجب من جمود دموعك
إن تفتنيه وتذهبى بفؤاده ... فبحسن وجهك لا بحسن صنيعك
وأكبر الظن أنه ظل يذكرها ويتغنى بها حتى الأنفاس الأخيرة من حياته، وقد جرّته غيرته من زوجها إلى لمزه ببعض هجائه. وكانت له نظرات وتأملات دقيقة فى الحياة جعلت الحكمة تجرى أحيانا على لسانه، ومن رائع ما يروى له فى تصوير القدر والحظوظ:
ما لا يكون فلا يكون بحيلة ... أبدا وما هو كائن فيكون
سيكون ما هو كائن فى وقته ... وأخو الجهالة متعب محزون
يسعى القوىّ فلا ينال بسعيه ... حظّا ويحظى عاجز ومهين
وواضح من كل ما قدمنا أنه كان نبعا غزيرا من ينابيع الشعر العباسى:
ويقول ابن المعتز إن «شعره أنقى من الراحة، ليس فيه عيب ولا بيت يسقط».
ويقول أبو الفرج: «كان أبو عيينه من أطبع الناس وأقربهم مأخذا. . وكان يقرب البعيد ويحذف الفضول ويقلّ التكلف». وفى حديث ابن المعتز عنه ما يدل على أنه لحق خلافة المأمون ويظهر أنها لم تظلّله طويلا.