ويقولون بح لنا باسم دنيا ... واسم دنيا سر على الناس ذخر
وهو يكثر فى أشعاره لها من تصوير ذكرياته معها، وزياراته، التى كانت متصلة لها قبل زواجها وكيف كانت تبادله ودّا بود وحبّا بحب، وكيف كانا يجتمعان فى قصرها الفخم وما حوله من رياض رائعة، وكيف كانا يلعبان ويعيشان منذ صغرهما، يقول:
وملعبنا فى النهر والماء زاخر ... قرينين كالغصنين فرعين فى أصل
ومن حولنا الريحان غضّا وفوقنا ... ظلال من الكرم المعرّش والنّخل
إذا شئت مالت بى إليها كأننى ... إلى غصن بان بين دعصين من رمل (١)
فيا طيب طعم العيش إذ هى جارة ... وإذ نفسها نفسى وإذ أهلها أهلى
وإذ هى لا تعتلّ عنى برقبة ... ولا خوف عين من وشاة ولا بعل
فقد عفّت الآثار بينى وبينها ... وقد أوحشت منى إلى دارها سبلى
وكانت سيدة فاضلة، فكانت لا ترد عليه رسائله وكانت تنتهر رسله، بينما هو يصطلى بنار الحب المحرقة ويتعذب كما لم يتعذب أحد، ملوّحا لها بأنه سيموت فى سبيلها وأن أحدا لن يحزن عليه حزنها لجامعة القرابة والحب القديم، يقول:
ولأنت إن متّ المصابة بى ... فتجنبّى قتلى بلا وتر
فلئن هلكت لتلطمن جزعا ... خدّيك قائمة على قبرى
وعلى هذا النحو ظل حبها قويّا حارّا فى قلبه، وظلت ترده عنها فى عنف تارة وفى رفق تارة ثانية، وهو يذكّرها عهودهما القديمة وكيف أنه يفى لها وفاء شديدا، بينما هى تدافعه وتقاومه قاطعة لكل عهد وسبب بينها وبينه، وهو كل يوم يزداد بها كلفا وغراما وحبّا ما فوقه حب، وفى ذلك يقول:
أرى عهدها كالورد ليس بدائم ... ولا خير فيمن لا يدوم له عهد
وعهدى لها كالآس حسنا وبهجة ... له نضرة تبقى إذا ما انقضى الورد
(١) الدعص: كثيب الرمل.