أحزان نفسى عليه غير منصرمه ... وأدمعى من جفونى الدهر منسجمه
وله أشعار مختلفة فى الغلمان وقصيدة بديعة يصور فيها عشق جارية مغنية لشاب كان كاتبا عند مولاها ابن الجوهرى وكان شيخا همّا قبيح الوجه، وكيف أنها هربت إليه فى جنح الليل، وفيها يقول:
خرجت والليل معتكر ... لم يهلها أيّة سلكت
وعيون الناس قد هجعت ... ودجى الظلماء قد حلكت
لم تخف وجدا بعاشقها ... حرمة الشّهر الذى انتهكت
ورأت لما شفت كمدا ... أنها فى دينها نسكت
وكان يحسن تصوير ما يصفه، وهو إحسان جعله يبرع فى تصوير الطبيعة، ويظهر أنه كان يشغف بمناظرها شغفا شديدا على نحو ما نرى فى تصويره لبستانه، وكان بستانا غاصّا بالأشجار والرياحين وفيه يقول:
إذا لم يزرنى ندمانيه ... خلوت فنادمت بستانيه
فنادمته خضرا مونقا ... يهيّج لى ذكر أشجانيه
يقرّب لى فرحة المستلذّ ... ويبعد همى وأحزانيه
أرى فيه مثل مدارى الظّباء ... تظلّ لأطلائها حانيه (١)
ونور أقاح شتيت النبات ... كما ابتسمت عجبا غانيه
ونرجسه مثل عين الفتاة ... إلى وجد عاشقها رانبه
وقد مرت بنا فى حديثنا عن ازدهار الشعر قطعة طويلة من قصيدته الرائعة فى تصوير حمّى أصابته تصويرا يدل على دقته فى الوصف وإحاطته بتفاصيل ما يصفه.
ومما لا شك فيه أنه كان شاعرا بارعا خصب القريحة، وأنه كان يحرص على الألفاظ المألوفة، ولكن مع المتانة والرصانة، وكانت وفاته سنة ٢٤٠ للهجرة.
(١) المدارى: القرون. الأطلاء: جمع طلا وهو ولد الظبية ساعة يولد. والاستعارة واضحة.