للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هجائه ولا شرّا، وكان مما صبّه الجماز على رأسه قوله:

ابن المعذّل من هو ... ومن أبوه المعذل

سألت وهبان عنه ... فقال: بيص محوّل (١)

وكان وهبان رجلا يبيع الحمام، فجمع طائفة من أصحابه وجيرانه وجعل يغشى المجالس ويحلف أنه ما قال: عبد الصمد بيض محوّل ويسألهم أن يعتذروا إليه، فلم يبق خاصّ ولا عام إلا رواهما، وردّ عليه عبد الصمد قائلا:

نسب الجمّاز مقصو ... ر إليه منتهاه

ليس يدرى من أبو الجمّ‍ ... از إلا من يراه

غير أن شعره فيه لم يشع على الألسنة، لأن فهمه يحتاج إلى شئ من الفطنة.

ووقع بينه وبين يزيد بن محمد المهلبى الشاعر تباعد، فهجاه يزيد ونسبه إلى الشؤم، فكال له الصاع صاعين، ونراه يتعرض لأبى تمام حين اجتمع به فى مجلس مزريا على تكسبه بشعره، قائلا له:

أنت بين اثنتين تبرز للنا ... س وكلتاهما بوجه مذال (٢)

لست تنفكّ طالبا لوصال ... من حبيب أو طالبا لنوال

أىّ ماء لحرّ وجهك يبقى ... بين ذلّ الهوى وذلّ السّؤال

وفكر أبو تمام فى إفحامه، ثم أنشد:

أفىّ تنظم قول الزّور والفسد ... وأنت أنزر من لا شئ فى العدد (٣)

أشرجت قلبك من بغضى على حرق ... كأنها حركات الروح فى الجسد (٤)

وكان لا يزال يصب سياط هجائه على جيرانه ومن يختلط بهم من القيان اللائى يعرضن عنه وأصحابهم من المقينين، وله مرثية كلها هجو فى أحد الطفيليين وقد صوّر فيها نهمه وموته من هذا النهم، استهلها بقوله:


(١) محوا: حضنه غير أبويه.
(٢) مذال: مهانة.
(٣) الفند: الكذب.
(٤) أشرجت هنا: نسجت.

<<  <  ج: ص:  >  >>