أمثال أبى نواس وغير أبى نواس، ولكن دون أن يتردّى فى خلاعتهم ومجونهم. وقد يحضر مجالس الأنس والشراب ولكن دون تعمق ودون إثم، وفى ذلك يقول ابن المعتز:
«كان يتعاطى الفتوة على ستر وعفة وله مع ذلك كرم ومحاسن أخلاق وفضل من نفسه، وكان جوادا لا يليق درهما ولا يحبس ما يملك». وفى أشعاره وصف للكرة والصولجان يدل على أنه كان يمارس هذه الرياضة. ويقولون إنه كان فيه ظرف.
وكأنه كان مثال العربى البغدادى المهذب فى عصره الذى أخذ بأسباب الترف والنعيم أخذا كان له أثره فى ذوقه المضفى المهذب وشعوره الرقيق المرهف. وقد مضى ينفق حياته فى التغنى بعواطفه وحبه، وفى ذلك يقول أبو الفرج:«كان العباس شاعرا غزلا ظريفا مطبوعا. . وله مذهب حسن ولديباجة شعره رونق ولمعانيه عذوبة ولطف ولم يكن يتجاوز الغزل إلى مديح ولا هجاء ولا يتصرف فى شئ من هذه المعانى، وقدّمه أبو العباس المبرد فى كتاب الروضة على نظرائه وأطنب فى وصفه. وقال: رأيت جماعة من الرواة الشعر يقدمونه، وقال: كان العباس من الظرفاء، ولم يكن من الخلعاء، وكان غزلا ولم يكن فاسقا، وكان ظاهر النعمة ملوكى المذهب شديد الترف، وذلك بيّن فى شعره، وكان قصد الغزل وشغله النسيب، وكان حلوا مقبولا غزلا غزير الفكر واسع الكلام كثير التصرف فى الغزل وحده، ولم يكن هجاء ولا مداحا». وقد فتح اشتهاره بالغزل باب قصر الرشيد أمامه، حتى أصبح من ندمائه، وحتى صحبه فى غزواته بأرمينية وأذربيجان، ذلك أنه كان إذا غاضب إحدى جواريه أو أدلّت عليه أمره بصنع أبيات يغنّى فيها إبراهيم الموصلى، فتعود صاحبته إليه، ويتصل بينهما ما انقطع، من ذلك أنه غاضب ماردة أم المعتصم، وتوقع أن تبدأه بالترضى، فلم تفعل حتى أقلقته وأرّقته، وصار بأمرّ عيش، وعرف ذلك جعفر البرمكى، وقيل الفضل بن الربيع، فأعلم العباس القصة وطلب إليه أن يقول فى ذلك شيئا، فلم يلبث أن قال:
العاشقان كلاهما متجنّب ... وكلاهما متعتّب متغضّب
صدّت مغاضبة وصدّ مغاضبا ... وكلاهما مما يعالج متعب