راجع أحبّتك الذين هجرتهم ... إن المتيّم قلما يتجنّب
إن التجنّب إن تطاول منكما ... دبّ السّلوّ له فعزّ المطلب
وألقاها إلى إبراهيم الموصلى فغنّى بها الرشيد، فلما سمعها بادر إلى ماردة فترضّاها. ويقال إنها أمرت للعباس وإبراهيم بعشرين ألف درهم مناصفة وأمر لهما الرشيد بأربعين ألفا.
وانعقدت الصلة بينه وبين محمد بن منصور بن زياد الملقب بفتى العسكر، وتصادف أن رأى عنده جارية جميلة تسمى فوز، فوقعت فى قلبه، وأخذ يكثر من زياراته، وهو إنما يريدها، وعرفت حبه، فكانت تصدّ عنه. وهو يزداد حبّا وشكوى من أنها لا تقبل عليه، وأكثر من تصوير إعراضها عنه بمثل قوله:
قالت ظلوم سميّة الظّلم ... مالى رأيتك ناحل الجسم
يا من رمى قلبى فأقصده ... أنت العليم بموضع السّهم (١)
أخذ يكثر من شكواه وتضرعه مصورا سهاده وما دلعته من نيران العشق فى قلبه وغدا مستهاما بها يحبها كل الحب ويفتن بها كل الفتون، حتى لكأنها غدت ليلى وغدا المجون، فهو دائما يصف صبابته بها ووجده وجدا لم يجده أحد، وجدا يتعمقه حتى ليصطلى بناره المحرقة، وقد مضى يصور ذلك لا فى قصيدة أو قصائد معدودة وإنما فى ديوان رائع، تجد فيه النفوس غذاء روحيّا ممتعا، لأنه يرتفع عن الحس والمادة ارتفاع الشعر العذرى الأموى، بما يصف من حب لا يخمد أواره، من مثل قوله:
الحبّ أول ما يكون لجاجة ... تأتى به وتسوقه الأقدار
حتى إذا سلك الفتى لجج الهوى ... جاءت أمور لا تطاق كبار