يا جاعل الدين له بازيا ... يصطاد أموال المساكين
احتلت للدنيا ولذّاتها ... بحيلة تذهب بالدين
وصرت مجنونا بها بعد ما ... كنت دواء للمجانين
أين رواياتك فيما مضى ... عن ابن عون وابن سيرين
أين رواياتك فى سردها ... فى ترك أبواب السّلاطين
إن قلت أكرهت فذا باطل ... زلّ حمار العلم فى الطّين
وكان كثيرا ما يستشهد بقول المسيح عليه السلام: «كما ترك لكم الملوك الحكمة فاتركوا لهم الدنيا»، ونظم ذلك شعرا قائلا:
أرى أناسا بأدنى الدين قدقنعوا ... ولا أراهم رضوا بالعيش بالدّون
فاستغن بالدّين عن دنيا الملوك كما اس ... تغنى الملوك بدنياهم عن الدين
وهو كثير التنفير من الدنيا ومتاعها الذى يزول وتبقى تبعاته، بل إنه ليحمل بين طيّاته من السموم ما يجعل العاقل يرى فيه حيّة ليّنا مسّها قاتلا سمّها:
حلاوة دنياك مسمومة ... فما تأكل الشّهد إلا بسمّ
وهى خدّاعة غرور، لا يكاد يطمئن شخص فيها إلى سرور حتى يهجم عليه حزن مفجع أو مصيبة موجعة، فمن جرّعته يوما حلاوتها جرّعته أياما مرارتها:
دنيا تداولها العباد ذميمة ... شيبت بأكره من نقيع الحنظل
وبنات دهر لا تزال ملمّة ... فيها فجائع مثل وقع الجندل
وإنه لواجب على كل إنسان أن يعصى هوى نفسه، فانها إمارة بالسوء، وإن هو أطاعها حملته ما لا يطيق من الذنوب والآثام، عاصفة منه بسلطان العقل موردة له موارد الهلاك:
رأيت الذنوب تميت القلوب ... ويخترم العقل إدمانها
يبيع الفتى نفسه فى رداه ... وأسلم للنفس عصيانها