للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جلّ ربّى عن كل ما اكتنفته ... لحظات الأبصار والأوهام

برىّ الله من هشام وممن ... قال فى الله مثل قول هشام

قل لمن قال قوله ورآه ... خير مسترشد وخير إمام

لم أنكرت قول من عبد الشّم‍ ... س وصلّى للأنجم الأعلام

ما الدليل المبين عن حدث العا ... لم أفصح به لدى الأقوام

لا دليل فلا ترمه وقد قل‍ ... ت كبعض الأنام ربّ الأنام

لم ترد غير قدمة الخلق فاقصد ... قصده دع مناقضات الكلام

وواضح أن العطوى يرى فى التشبيه على الذات الإلهية تعطيلا للألوهية، فالله بنصّ القرآن ليس كمثله شئ وهو منزه عن كل تجسيد وتجسيم، ولو أشبهته المخلوقات لأصبح العالم قديما مثله، ولكان هناك قديمان: الله والعالم، ومن أجل ذلك حارب المعتزلة القائلين بهذا القول من فلاسفة اليونان ومن بعض المتكلمين أمثال هشام حربا عنيفة. فالله وحده هو القديم، أما العالم فحادث، خلقه الله وأحدثه، والدلالة على حدوثه وخلقه قائمة فى بنيته وتركيبه.

وكان العطوى ينظم فى أغراض الشعر المختلفة صابغا كثيرا من معانيه بأصباغ المعتزلة، ونقصد القدرة على توليد الأفكار واستنباط خبيثاتها، وفى ذلك يقول بعض القدماء «كان له فن من الشعر لم يسبق إليه، ذهب فيه إلى مذهب أصحاب الكلام ففارق جميع نظرائه وخفّ شعره على كل لسان وروى واستعمله الكتاب واحتذوا معانيه وجعلوه إماما». وقد أنشد له أبو الفرج فى أغانيه طائفة من الأشعار فى أغراض مختلفة، وهى تصور كيف كان يطلب الإطراف فى المعنى والخيال من مثل قوله يرثى أحمد بن أبى دؤاد شيخ المعتزلة فى عصره ومقدّمهم عند المعتصم والواثق (١):

أحنطته يا نصر بالكافور ... وزففته للمنزل المهجور (٢)


(١) الأغانى ٢٠/ ٥٨.
(٢) أحنطته: من الحنوط وهو كل طيب بخلط للميت.

<<  <  ج: ص:  >  >>