للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيها مقام الخلّ والرّكن والصّفا ... ومستلم الحجّاج من جنّة الخلد

ويأخذ صفوان بعد ذلك فى بيان حقيقة بشار ويظهر أنه كان حينئذ يردّد آراء فرقة الكاملية إحدى فرق الشيعة الغالية، وقد أكفر صاحبهم أبو كامل جميع الصحابة لتركهم بيعة على وطعن فى على لقبوله التحكيم ولأنه قعد فى عهد الخلفاء الثلاثة الأول عن المطالبة بحقه، وكان يرى أن الإمامة نور يتناسخ من شخص إلى شخص. ويظهر أيضا أنه كان يردد بعض ما قاله ديصان ومانى عن النور والظلمة وأنه كان لا يزال يلوك أسماء غالية الشيعة من مثل ليلى الناعظية وأبى منصور العجلى وابن عمه المغيرة بن سعيد وغيرهم، ويسجّل ذلك كله صفوان عليه، يقول:

أتجعل عمرا والنّطاسىّ واصلا ... كأتباع ديصان وهم قمش المدّ (١)

فيا ابن حليف الطّين واللوم والعمى ... وأبعد خلق الله من طرق الرّشد (٢)

أتهجو أبا بكر وتخلع بعده ... عليّا وتعزو كلّ ذاك إلى برد (٣)

كأنك غضبان على الدين كلّه ... وطالب ذحل لا يبيت على حقد

أتجعل ليلى الناعظيّة نحلة ... وكلّ عريق فى التناسخ والرّدّ

وقد خلص بشار بعد ذلك للمذاهب المجوسية وعبادة إلهى النور والظلمة. ولم يصلنا لصفوان ردود على الملحدة وأصحاب النحل والأهواء المختلفة. راء هذا الرد على بشار، وأغلب الظن أنه كان يرد عليهم كثيرا وأن القدماء لم يثبتوا ردوده. وسنرى بشر بن المعتمر يسير على هديه فى هذا الاتجاه. ومثله العطوى الذى نلقاه بأخرة من هذا العصر، وقد أنشد له القالى قصيدة يرد فيها على هشام بن الحكم الرافضى أحد متكلمى الشيعة الغالين وما كان يزعمه من التشبيه على الله وأنه فى صورة إنسان وله نفس الحواس الخمس، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا، وله يقول العطوى فى بعض ردّه (٤):

جلّ ربّ الأعراض والأجسام ... عن صفات الأعراض والأجسام


(١) قمش: آراذل.
(٢) يشير إلى حرفة أبيه برد وأنه كان طيانا يضرب اللبن.
(٣) ذحل: ثأر. لا يبيت على حقد: يريد أنه يسارع إلى الأخذ بثأره.
(٤) أمالى القالى ٢/ ٢٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>