للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رجال دعاة لا يفلّ عزيمهم ... تهكّم جبّار ولا كيد ماكر

وأوتاد أرض الله فى كل بلدة ... وموضع فتياها وعلم التشاجر

وموقف ثان سبق أن عرضنا له فى ترجمتنا لبشار، ينقض فيه تفضيله النار على الأرض ونفوذه من ذلك إلى تصويب رأى إبليس فى رفضه أمر ربه له بالسجود لآدم، كما ينقض مزاعمه فى الرجعة والتناسخ وتكفيره لجميع الأمة، وخير ما يصور ذلك داليته التى أنشدها الجاحظ، وهو فيها يسهب فى بيان فضائل الأرض، بادئا بأنها تحمل فيما تحمل النار، على نحو ما هو معروف فى الحجارة والزند، ثم يفيض فى بيان طرائفها المبثوثة فى البحار من لآلئ وغير لآلئ، ومن عنبر وغير عنبر، مع ما تحمل من السمك السابح، إلى طرائف لا تكاد تحصى فى الجبال والحرار وظاهر الأرضين من الأحجار الكريمة والذهب والفضة والمعادن النفيسة، بالإضافة إلى الأماكن المقدسة، مما يدل دلالة ناصعة على عظمة الخالق، ومن قوله فى ذلك (١):

زعمت بأن النار أكرم عنصرا ... وفى الأرض تحيا بالحجارة والزّند

وتخلق فى أرحامها وأرومها ... أعاجيب لا تحصى بخطّ ولا عقد (٢)

وفى القعر من لجّ البحار منافع ... من اللؤلؤ المكنون والعنبر الورد (٣)

وفى قلل الأجبال خلف مقطّم ... زبرجد أملاك الورى ساعة الحشد (٤)

وفى الحرّة الرّجلاء تلفى معادن ... لهنّ مغارات تبجّس بالنّقد (٥)

من الذهب الإبريز والفضة التى ... تروق وتصبى ذا القناعة والزّهد

وكل فلزّ من نحاس وآنك ... ومن زئبق حىّ ونوشاذر يسدى (٦)

وكلّ يواقيت الأنام وحليها ... من الأرض والأحجار فاخرة المجد


(١) البيان والتبيين ١/ ٢٧.
(٢) العقد: الحساب، ويريد العد.
(٣) الورد: الأحمر.
(٤) المقطم: جبل مصر الممتد من القاهرة إلى أسوان على الشاطئ الشرقى للنيل.
(٥) الحرة: أرض بركانية سوداء الحجارة. الرجلاء: الوعرة الخشنة. تبجس: تتفجر.
(٦) آنك: رصاص. النوشاذر بالذال والدال: حجر أبيض صاف كالبلور.

<<  <  ج: ص:  >  >>