لكثير من صحفها ومعانيها، مما جعل بعض معاصريه يعجب من كثرة نسخه لها، وقد ابتدره قائلا: هل المعانى والبلاغة إلا فى كتب العجم؟ اللغة لنا والمعانى لهم.
وكان طبيعيّا أن يؤديه اعتزاله إلى قراءة كتب الفلسفة، بل يظهر أنه تعمق فى قراءتها، وهو تعمق دفعه إلى أن يؤلف فى علم المنطق كتابا اشتهر فى عصره، وله بجانبه مصنفات لغوية وأدبية مختلفة منها كتاب الألفاظ وكتاب فنون الحكم، وفيه يقول المسعودى:«كان من العلم والقراءة والأدب والمعرفة والترسل وحسن النظم للكلام وكثرة الحفظ وحسن الإشارة وفصاحة اللسان وبراعة البيان والمكاتبة وحلاوة المخاطبة وجودة الحفظ وصحة القريحة على ما لم يكن لكثير من الناس فى عصره مثله» وكان إلى ذلك يتزهد فى متاع الدنيا ويلبس الصوف أسوة بالناسكين. وسمع يحيى ابن خالد البرمكى وزير الرشيد بفضله فوصله به وبمجالسه، وأخذ يضفى عليه هو وابناه الفضل وجعفر من نوالهم، وهو يضفى عليهم من مدائحه، ولم يلبثوا أن قدموه إلى الرشيد، فمدحه ونال جوائزه السنية، مع انقطاعه لهم. ويروى الرواة أن الرشيد سمع باعتزاله. ولم يكن يعجب بالاعتزال ولا بالمعتزلة، فطلبه، وخشى البرامكة مغبة طلبه، فستروه عنه مدة. وقيل إنه هرب إلى اليمن، وما زال يحيى بن خالد -وقيل ابنه جعفر-يستعطف الرشيد عليه، حتى استلّ ما فى نفسه وأمّنه.
ويروى أنه غضب عليه حين ثار الوليد بن طريف الخارجى الشيبانى، لاشتراك بعض أفراد قبيلته معه، غير أنه مثل بين يديه يتنصّل من الجرم الذى جناه بعض قومه، وكان يزيد بن مزيد الشيبانى قضى على الوليد فلوح بأن يزيد غسل عن ربيعة كلها ذنبها، فرضى عنه ووصله.
وما زال العتابى منقطعا إلى البرامكة حتى إذا فتك بهم الرشيد ظل يمدحه واصلا أسبابه بطاهر بن الحسين وابنه عبد الله وعلى بن هشام أحد القواد الأجواد فى العصر. ويظهر أنه كان يكثر من التردد على الرقة ورأس عين فى ديار الجزيرة شمالى العراق. ولما تحول المأمون من مرو إلى بغداد وعقد المجالس لجلّة العلماء يتناظرون ويتحاورون بين يديه أشخص العتابى إليه، ووالى بره ونواله عليه.
وقد أشاد القدماء بشعر العتابى وبراعته فى الحوار فى كل ما كتب من رسائل، وفى ذلك يقول ابن المعتز: «كان العتابى مجيدا مقتدرا على الشعر عذب الكلام