للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلو كان للشكر شخص يبين ... إذا ما تأمّله الناظر

لمثّلته لك حتى تراه ... لتعلم أنى امرؤ شاكر

وقوله فى ملامة الأصدقاء وتلقيها بالقبول الحسن:

لوم يعيذك من سوء تقارفه ... أبقى لعرضك من قول يداجيكا (١)

وقد رمى بك فى تيهاء مهلكة ... من بات يكتمك العيب الذى فيكا (٢)

وله أشعار يتناول فيها الأخلاق والطباع، محللا لها تحليلا بديعا، من ذلك تصويره لمن اتبع هداه، فعدل عن محجّة الخلق الحميد إلى مسارب الخلق الذميم، وإنه ليعد ذلك كفرانا لنعمة الله الذى وهب الإنسان من العقل ما يميز به الخبيث من الطيب، والضار من النافع، فإذا هو يستجيب لهواه ودواعى نفسه، ولو أنه فطمها وكبح جماحها لاستتم شكره لأنعم ربه، ولكن أنّى له وفطام النفس عسير، يقول:

وكم نعمة آتاكها الله جزلة ... مبرّأة من كلّ خلق يذيمها (٣)

فسلّطت أخلاقا عليها ذميمة ... تعاورنها حتى تفرّى أديمها (٤)

وكنت امرءا لو شئت أن تبلغ المدى ... بلغت بأدنى نعمة تستديمها

ولكن فطام النفس أعسر محملا ... من الصخرة الصّمّاء حين ترومها

وعلى هذا النحو كان العتابى لا يزال يلذ عقول سامعيه وقلوبهم بما يورد عليهم من نوادر الأخيلة وطرائف المعانى محتالا لذلك متالفا له بكل ما ادخره عقله واقتناه من بيئة المعتزلة وكنوزها الفكرية الغنية، وقد ظل الناس يفتنون بشعره، وهو يعرض عليهم مبتكراته فى معانيه حتى انتقل إلى جوار ربه فى سنة ثمان ومائتين.


(١) تقارفه: ترتكبه. يداجيك: ينافقك.
(٢) تيهاء: فلاة مضلة.
(٣) يذيمها: يعيبها.
(٤) تفرى: تقطع.

<<  <  ج: ص:  >  >>