للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودّك يكفينيك فى حاجتى ... ورؤيتى كافية عن سؤال

وكيف أخشى الفقر ما عشت لى ... وإنما كفّاك لى بيت مال

ثم دخل فى اليوم الثالث، فأنشده:

بهجات الثياب يخلقها الدّه‍ ... ر وثوب الثناء غضّ جديد

فاكسنى ما يبيد أصلحك الل‍ ... هـ فيكسوك الله ما لا يبيد

وواضح أنه حول قصيدة المديح إلى بيتين قصيرين، يحملان معنى طريفا، وهو معنى لا يصل إليه إلا بعد التدبر وبعد طول الروية وبعد النظر وطول التفكير، بل بعد التوقف وطول التنقيب. وعلى نحو ما يلقانا ذلك فى مديحه يلقانا فى عتابه من مثل قوله:

رحل الرّجاء إليك مغتربا ... حشدت عليه نوائب الدّهر

ردّت إليك ندامتى أملى ... وثنى إليك عنانه شكرى

وجعلت عتبك عتب موعظة ... ورجاء عفوك منتهى عذرى

وله غزليات تطبع بنفس الطوابع العقلية والخيالية، فهو ما يزال يحاول فيها استنباط المعانى والصور الدقيقة على شاكلة قوله:

رسل الضمير إليك تترى ... بالشوق ظالعة وحسرى (١)

ما جفّ للعينين بع‍ ... دك يا قرير العين مجرى

إن الصبابة لم تدع ... منى سوى عظم مبرّى (٢)

ومدامع عبرى على ... كبد عليك الدّهر حرّى (٣)

وأدّاه طول نظره وفحصه للمعانى إلى أن يجردها ويجسمها أحيانا، وأحيانا أخرى يتعمق فيها ويتغلغل إلى لبها، مستخرجا بعض الصور أو بعض الحكم، من مثل قوله مجسدا لشكره:


(١) ظالعة: من الظلع وهو العرج من كثرة السير. حسرى: متعبة.
(٢) مبرى: مهزول.
(٣) حرى: محترقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>