للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والإباضية الحشويّة، وهو اسم كان يطلقه المعتزلة على خصومهم من المجسمة والمشبهة ومن كانوا لا يؤولون آيات التشبيه فى القرآن وإن قالوا إن الله لا يشبه شيئا من المخلوقات، وفى ذلك يقول:

لست إباضيّا غبيّا ولا ... كرافضىّ غرّه الجفر

كما يغرّ الآل فى سبسب ... سفرا فأودى عنده السّفر (١)

لسنا من الحشو الجفاة الأولى ... عابوا الذى عابوا ولم يدروا

لا تنجع الحكمة فيهم كما ... ينبو عن الجرولة القطر (٢)

أولئك الدّاء العضال الذى ... أعيا لديه الصّاب والمقر (٣)

وفى هجومه على الشيعة القائلين بكتاب الجفر ما يدل دلالة قاطعة على أنه لم يكن يعتنق مذهب الإمامية كما أشرنا إلى ذلك فى الفصل السادس، وقد استظهرنا هناك أنه ربما كان زيدى الهوى. وهو فى القصيدة الثانية يتحدث أيضا عن غرائب الخلق فى أوابد الوحش والحشرات والطير السابح فى الهواء، مستنبطا كثيرا من العظات، ومنوها بالعقل وساطع نوره الذى نكتشف به مثل هذه العجائب والعبر ونفصل بين الخير والشر والنافع والضار، ويعرض فى أثناء ذلك لأهل المقالات والنحل من غير المعتزلة، فيقول:

قد غمر التقليد أحلامهم ... فناصبوا القيّاس ذا السّبر

فهو يأخذ عليهم أنهم يلغون عقولهم وأنهم لا يحكمون المنطق والقياس العقلى السديد الذى به تقاس الأشياء ويستبشر ويعرف غورها ومقدار ما فيها من الخطأ والصواب. وعلى هذا النحو ظل بشر مشغولا فى شعره التعليمى بالرد على خصوم المعتزلة وبيان عجائب الخلق الربانى حتى وافاه القدر فى سنة عشر ومائتين.


(١) الآل: السراب. السبسب: الفلاة. السفر: جماعة المسافرين.
(٢) الجرولة: الصخرة الملساء. ينبو: يزل ويسقط.
(٣) الصاب والمقر: نباتان شديدا الحرارة

<<  <  ج: ص:  >  >>