للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إمامهم جهم وما لجهم ... وصحب عمرو ذى التقى والعلم

ومعروف أن جهما كان يؤمن بالجبر وينفى استطاعة الإنسان وحرية إرادته مما كان يعتنقه المعتزلة وأساتذتهم أمثال عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء، وروى الجاحظ فى الجزء الرابع من حيوانه مقطوعة من إحدى أراجيزه، وربما كانت هى الأخرى من الأرجوزة السالفة، وكذلك ما روى فى الجزء السادس من تفضيله لعلى بن أبى طالب على الخوارج، إذ يقول:

ما كان فى أسلافهم أبو الحسن ... ولا ابن عبّاس ولا أهل السّنن

غرّ مصابيح الدّجى مناجب ... أولئك الأعلام لا الأعارب

كمثل حرقوص ومن حرقوص ... فقعة قاع حولها قصيص (١)

ليس من الحنظل يشتار العسل ... ولا من البحور يصطاد الورل (٢)

هيهات ما سافلة كعاليه ... ما معدن الحكمة أهل الباديه

وروى له الجاحظ فى الحيوان قصيدتين طويلتين قدم لهما بقوله: «أول ما نبدأ قبل ذكر الحشرات وأصناف الحيوان والوحش بشعر بشر بن المعتمر فإن له فى هذا الباب قصيدتين قد جمع فيهما كثيرا من هذه الغرائب والفرائد، ونبّه بهذا على وجوه كثيرة من الحكمة العجيبة والموعظة البليغة. . وإذا قسمنا ما عندنا فى هذه الأصناف على بيوت هذين الشعرين وقع ذكرهما مصنّفا فيصير حينئذ آنق فى الأسماع وأشدّ فى الحفظ». وبشر يستهل القصيدة الأولى بحديثه عن طباع الإنسان وما ركب فيه من الطمع الذى يدفع الناس إلى أن يتواثبوا بعضهم على بعض تواثب الذئاب، ويفيض فى وصف الحيوان والحشرات وبعض الطير وبيان طباعها وعجائب خلقها، حتى إذا بلغ ما أراد من ذلك تحول إلى إباضية الخوارج ورافضة الشيعة ممن يؤمنون بكتاب الجفر، وهو كتاب يزعمون أنه عند أئمتهم فيه كل أصناف العلم وكل ما يكون إلى يوم القيامة، وسلك مع الرافضة


(١) حرقوص: من زعماء الخوارج لعهد على القصيص: شجر تنبت فى أصله الكمأة وهى الفقع. والقاع: الأرض المستوية، ويضرب الفقع مثلا للرجل الذليل لأن الإبل تدوسه بأر جلها.
(٢) يشتار: يستخرج. الورل: دابة صحراوية كالضب.

<<  <  ج: ص:  >  >>