للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) وما يلبث أن يعرض للسبئية من الشيعة الغالية قائلا: «وزعمت السبئية الضّلاّل أن غيرنا أحقّ بالرياسة والخلافة منا، فشاهت وجوههم، بم ولم أيها الناس، وبنا هدى الله الناس بعد ضلالتهم وبصّرهم بعد جهالتهم وأنقذهم بعد هلكتهم. . وجمع الفرقة حتى عاد الناس بعد العداوة أهل تعاطف وبرّ». ويتحدث عن الأمويين وظلمهم للرعية وكيف تداركها الله بهم وردّ عليها حقوقها المسلوبة. وخطب عمه داود بن على بنفس اللحن، ويشيد الجاحظ ببيانه وفصاحته قائلا إنه «كان أنطق الناس وأجودهم ارتجالا واقتضابا للقول. وله كلام كثير معروف محفوظ». ويروى من ذلك خطبته فى أهل مكة حين وليها لابن أخيه، وهى تمضى على هذا النمط (١):

«شكرا شكرا. أما والله ما خرجنا لنحتفر فيكم نهرا ولا لنبنى قصرا، أظنّ عدوّ الله أن لن نظفر به إذ أرخى له فى ذمامه، حتى عثر فى فضل خطامه.

فالآن عاد الأمر فى نصابه، وطلعت الشمس من مطلعها، والآن أخذ القوس باريها، وعادت النّبل إلى النّزعة (٢)، ورجع الحق إلى مستقره فى أهل بيت نبيكم: أهل بيت الرأفة والرحمة».

ويموت السفاح سريعا، ويخلفه أبو جعفر المنصور، ولم يكن فى العباسيين أبين منه ولا أخطب، وفى عهده تندلع ثورة محمد بن عبد الله بن الحسن العلوى الملقب بالنفس الزكية بالمدينة، لسنة ١٤٥ للهجرة، ويتكاتبان كما مر بنا فى الفصل الأول، وكل منهما يؤكد حقه فى الخلافة وإرثها عن الرسول الكريم. ويشهر كل منهما السلاح فى وجه صاحبه، كما يشهران الخطب ويرسلان سهام القول، وكان محمد بن عبد الله لا يقل عنه لسنا وفصاحة، ومن قوله فى بعض خطبه (٣):

«إن أحق الناس بالقيام فى هذا الدين أبناء المهاجرين الأولين والأنصار المواسين. اللهم إنهم قد أحلوا حرامك وحرّموا حلالك وعملوا بغير كتابك وغيّروا عهد نبيك صلى الله عليه وسلم وآمنوا من أخفت وأخافوا من آمنت، فأحصهم عددا، واقتلهم بددا (٤)، ولا تبق على الأرض منهم أحدا».

ولم يلبث المنصور أن قضى على هذه الثورة قضاء مبرما، ولم يعد العلويون


(١) البيان والتبيين ١/ ٣٣١ وما بعدها.
(٢) النزعة: الرماة.
(٣) ذيل الأمالى للقالى ص ١٢١.
(٤) بددأ: متفرقين.

<<  <  ج: ص:  >  >>