للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فَاسْتَعِذْ بِاللهِ)} فأطلع الله على قلبك بما ينوّره من إيثار الحق ومنابذة الأهواء، ولا حول ولا قوة إلا بالله».

وكان ابن السماك محدثا وواعظا مؤثرا، روى عنه أحمد بن حنبل وغيره، وله كلام ومواقف بين يدى الرشيد تدور فى كتب التاريخ والأدب، ومما يؤثر عنه أنه دخل عليه يوما، فقال له الرشيد: عظنى، فقال (١):

«يا أمير المؤمنين: اتّق الله وحده لا شريك له، واعلم أنك واقف غدا بين يدى الله ربك ثم مصروف إلى إحدى منزلتين لا ثالثة لهما جنة أو نار. فبكى هرون حتى اخضلّت لحيته (٢)».

وكان هؤلاء الوعاظ يستمدون دائما من الذكر الحكيم وأحاديث الرسول الكريم وأقوال أصحابه ومن سبقوهم إلى الوعظ فى العصر الأموى من مثل الحسن البصرى، ودائما تبهرنا مواعظهم لما أشاعوا فيها من إيمان شديد بالدين وثقة وطيدة بأن ما عند الله خير وأبقى مما فى أيدى الناس من متاع الحياة الزائل.

وكثير من الوعّاظ كانوا يمزجون وعظهم بالقصص الدينى وتفسير بعض آى القرآن؛ وهو مزج قديم منذ الصدر الأول للإسلام. وكثر هؤلاء القصاص الوعاظ فى عصر بنى أمية مما جعل الجاحظ يعقد لهم فصلا (٣) طريفا فى كتابه البيان والتبيين، وفيه يقول عن قصّاص العصر العباسى الأول:

«ومن القصّاص موسى بن سيار الأسوارى وكان من أعاجيب الدنيا، كانت فصاحته بالفارسية فى وزن فصاحته بالعربية، وكان يجلس فى مجلسه المشهور به، فتقعد العرب عن يمينه والفرس عن يساره، فيقرأ الآية من كتاب الله ويفسرها للعرب بالعربية، ثم يحول وجهه إلى الفرس فيفسرها لهم بالفارسية، فلا يدرى بأى لسان هو أبين. واللغتان إذا التقتا فى اللسان الواحد أدخلت كل واحدة منهما الضّيم على صاحبتها إلا ما ذكرنا من لسان موسى بن سيار الأسوارى. ولم يكن فى هذه الأمة بعد أبى موسى الأشعرى أقرأ فى محراب من موسى بن سيّار ثم عثمان بن سعيد بن أسعد ثم يونس النحوى ثم المعلّى. ثم


(١) تاريخ الطبرى ٦/ ٥٣٨.
(٢) اخضلت: بللتها الدموع.
(٣) انظر البيان والتبيين ١/ ٣٦٧ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>