للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بما يوقعون فى نفوسهم من خشية عقاب الله وبما يصورون لهم من زفير جهنم، وهم فى تضاعيف ذلك يزجرونهم عن ظلم الرعية واقتراف المعاصى والسيئات. ومن كبارهم الذين عرفوا بمقاماتهم المحمودة بين أيدى الخلفاء ثلاثة هم عمرو بن عبيد المعتزلى الزاهد المشهور واعظ المنصور وصالح بن عبد الجليل واعظ المهدى وابن السماك واعظ الرشيد، ويروى عن أولهم أنه دخل على المنصور يوما فقال له:

عظنى، فقال (١):

«إن الله أعطاك الدنيا بأسرها فاستر نفسك ببعضها، واذكر ليلة تمخّض عن يوم لا ليلة بعده. فوجم أبو جعفر من قوله، فقال له الربيع (٢): يا عمرو غممت أمير المؤمنين. فقال عمرو: إن هذا صحبك عشرين سنة لم ير لك عليه أن ينصحك يوما واحدا، وما عمل وراء بابك بشئ من كتاب الله ولا سنّة نبيه قال أبو جعفر: فما أصنع؟ ! قد قلت لك: خاتمى فى يدك فتعال وأصحابك (٣)، فاكفنى. قال عمرو: ادعنا بعد لك تسخ أنفسنا بعونك.

ببابك ألف مظلمة اردد منها شيئا نعلم أنك صادق».

وكان صالح بن عبد الجليل ناسكا مفوّها، وكان يلمّ بمجالس المهدى ويعظه، ويطيل فى وعظه له حتى يبكيه وحتى يذرف الدمع مدرارا، ويروى أنه دخل عليه يوما فسأله أن يأذن له فى الكلام، فقال له تكلّم، ومن بعض كلامه حينئذ (٤):

«كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: من حجب الله عنه العلم عذّبه به على الجهل، وأشدّ منه عذابا من أقبل إليه العلم وأدبر عنه، ومن أهدى الله إليه علما فلم يعمل به، فقد رغب عن هدية الله وقصّر بها، فاقبل ما أهدى الله إليك من ألسنتنا قبول تحقيق وعمل لا قبول سمعة ورياء فإنه لا يعدمك منا إعلام لما تجهل أو مواطأة على ما تعلم أو تذكير من غفلة، فقد وطّن الله عزّ وجلّ نبيّه عليه السلام على نزولها تعزية عما فات وتحصينا من التمادى ودلالة على المخرج فقال: {(وَإِمّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ}


(١) عيون الأخبار ٢/ ٣٣٧.
(٢) حاجب المنصور.
(٣) يريد أصحابه من المعتزلة الناسكين.
(٤) عيون الأخبار ٢/ ٣٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>