للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

احتفظ له ابن طيفور فى كتابه «اختيار المنظوم والمنثور» بطائفة بديعة من رسائله، منها رسالة كتب بها إلى المهدى يعزيه عن أبيه ويهنئه بالخلافة، ويظهر أنه كتبها عن عمارة بن حمزة وفيها يقول (١):

«أعظم بالمصيبة مصيبة نزلت، وأعظم بالنعمة نعمة حدثت، وإن أحق من انتصح لله فى قضائه واعترف بوجود حسن بلائه من علم أن الفجائع أمر جرت به سنن الله بين عباده تذكيرا وتحذيرا. . ولولا ذلك لم يكن لمعزّ أن يروم تعزية أمير المؤمنين. . فعظّم الله على الحادث النازل أجره، وأحسن على الخلافة عونه، ثم لا ركله الله فى شئ من الأمور إلى نفسه، وألهمه العمل بما يرضيه ويبلغ به تأدية حقه، فيما استرعاه واستحفظه وجعله أهله وأحقّ به».

ومن الكتّاب أيضا لعصر المنصور غسّان بن عبد الحميد كاتب (٢) عمه سليمان بن على واليه على البصرة لسنة ١٣٣ للهجرة، وفى الفهرست أنه كتب لابنه جعفر بن سليمان على المدينة سنة ١٤٦ للهجرة، ويقول: «كان بليغا حلو الكلام لطيف المعانى (٣)» واحتفظ له أيضا ابن طيفور بطائفة جيدة من رسائله، وأكثرها يدور فى التعزية، ويظهر أنه كان يتقنها إتقانا بعيدا على نحو ما نرى فى هذه القطعة من رسالة يعزى بها المهدىّ عن أبيه (٤):

«أما بعد فإن الله تبارك وتعالى جعل المقادير علما ثابتا عنده وكتابا سابقا منه، فجرت عليه ومضت به الأمور فى قدرته، والعباد فى قبضته. وليس عبد من عبيده إلا وقد كان عمره فى الدنيا موظوفا قبل خلقه، وكان ما يصيبه منها مكتوبا عليه قبل أن ينزل به، ثم جعل أهل عبادته أهل حظوظ متكاملة فى السعادة وأهل فضائل متظاهرة فى الكرامة، فاصطفى منهم أنبياءه، وانتجب منهم خلفاءه، وألزمهم على ذلك الموت الذى لا بد منه وجعله الحياة لهم فيما عنده، فكانت وفاة من توفّى منهم له سعادة فيما يصيّرهم إليه وحياة من أحيا منهم له كرامة فيما يصنطنعهم له، فيمضى الأول منهم سعيدا ويبقى الباقى منهم مصطنعا فلا تنقطع الدنيا بماضيهم إلا إلى خير منها ولا يبقى باقيهم إلا ليزداد خيرا فيها.


(١) جمهرة رسائل العرب ٣/ ١٤٨
(٢) الجهشيارى ص ١١٠.
(٣) الفهرست ص ١٨٣.
(٤) جمهرة رسائل العرب ٣/ ١٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>