للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمرجوّ لإتمام ذلك بمنّه ورحمته. وإنى كتبت إلى أمير المؤمنين يوم النّفر الأول، وقد قضى الله مناسكنا، وتمّم حجّنا، وأرانا فى مواقفنا وإفاضتنا ومن حضر الحج معنا من رعيّة أمير المؤمنين أفضل ما لم يزل يبلى (١) الله أمير المؤمنين ويعوّده ويبلى الرعية فى خلافته من السلامة والعافية والتوفيق والكفاية، والله المحمود.

ولم أر موسما كان أعمّ عافية وسلامة، وأحسن هديا ودعة، وأكثر داعيا لأمير المؤمنين وولىّ عهده بطول البقاء من موسم الناس فى عامهم هذا بنعمة الله وفضله.

أحببت الكتاب إلى أمير المؤمنين لمعرفتى بعنايته وتطلعه إلى عمله، ليسسرّ به، ويحمد الله عليه ويشكره، فإنه يحب الشاكرين».

وسرعان ما يخلف المأمون الأمين، وفى عصره تبلغ الكتابة الديوانية الذروه المنشودة، فقد تكاثر الكتاب البارعون وتكاثرت آثارهم، واتضح فيها نزعة قوية إلى العناية بالجمال الفنى والتدقيق فى المعانى أشد التدقيق. وأول من نلقاه من هؤلاء الكتاب البارعين الفضل بن سهل وأخوه الحسن وزيرا المأمون، وكان سهل مجوسيّا وأسلم على يد يحيى البرمكى وأصبح من أتباعه، فأحضر له ابنيه الفضل والحسن، فأعجب بهما يحيى وطلب إلى الفضل أن ينقل له كتابا من الفارسية إلى العربية فأعجب بنقله وجودة عبارته ووصله بابنه جعفر ووصل الحسن بابنه الفضل (٢)، ولم يلبث جعفر أن ضمّ الفضل إلى المأمون، فأسلم على يديه وغلب عليه بحصافة رأيه وسعة عقله وبلاغته، حتى إذا أنفذه أبوه إلى مرو أصبح أمر المأمون كله بيده. ولما احتدم النزاع بينه وبين الأمين وخلعه من ولاية العهد قام على تدبير أموره خير قيام، من تنظيم للجيوش بقيادة طاهر بن الحسين وهرثمة بن أعين، ومن حسن سياسة ودقة تصريف لشئون المأمون فى ولايته حتى تم له القضاء على أخيه وصوت له الخلافة. وقد عقد له المأمون فى سنة ١٩٦ والنزاع بينه وبين أخيه على أشده على الشرق طولا وعرضا ولقّبه ذا الرياستين:

رياسة السيف ورياسة القلم والتدبير، ويظهر أنه كانت فيه ميول شيعية فقد


(١) يبلى هنا: ينعم ويحسن.
(٢) انظر فى ترجمة الفضل بن سهل كتب التاريخ والوزراء والكتاب للجهشيارى ص ٢٢٩ وفى مواضع متفرقة والفخرى ص ١٦٥ وزهر الآداب ٢/ ١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>