حاضرة لهم، وامتدت هذه المملكة فى عهد الحارث الرابع أوائل القرن الأول للميلاد إلى دمشق، غير أن الرومان استولوا عليها سنة ١٠٦ م. أما العربية السعيدة فكانت تشمل وسط الجزيرة وجنوبيها، أو بعبارة أخرى كل ما وراء القسمين الأول والثانى. وربما دل ذلك من بعض الوجوه على أن هذا القسم الثالث كان يدين بالولاء للدول الجنوبية مثل معين وسبأ.
ويقسم جغرافيو العرب الجزيرة إلى خمسة أقسام، هى: تهامة والحجاز ونجد والعروض واليمن، وتهامة هى المنطقة الساحلية الضيقة المطلة على بحر القلزم أو البحر الأحمر. وتسمى فى الجنوب باسم تهامة اليمن، وقد يبلغ عرضها فى بعض الأمكنة خمسين ميلا، وكان العرب القدماء يسمونها الغور لانخفاض أرضها، وهى أرض رملية شديدة الحرارة، وقد قامت بها بعض المرافئ والثغور مثل الحديّدة فى اليمن ومثل جدة وينبع فى الحجاز. ويقع فى شماليهما ثغر صغير يعرف باسم الوجه، ويظن أنه كان ثغر مدينة الحجر المعروفة الآن باسم مدائن صالح. وفى الجنوبى الوجه قرية الحوراء وربما كانت هى الموضع الذى أرسى فيه إليوس جالوس القائد الرومانى بجيوشه سنة ٢٤ ق. م وهى الغزوة التى أراد بها أن يفتح بلاد اليمن وباءت بالفشل الذريع.
وتمتد فى شرقى تهامة سلسلة جبال السّراة من الشمال إلى الجنوب فاصلة بينها وبين هضبة نجد ومؤلفة إقليم الحجاز المعروف، وتكثر فى هذا الإقليم الأودية والمناطق البركانية، والحرّات وهى أراض رملية تعلوها قمم البراكين. وإذا وجدت فى هذه الأراضى آبار وعيون آذنت بالخصب وقيام القرى الكبيرة مثل المدينة أو يثرب ووادى القرى فى شماليها وهو يقع بينها وبين العلا وكانت تسمى قديما دادان. ومن مدن هذا الوادى قرح وكانت تقام بها سوق عظيمة فى الجاهلية ومدينة الحجر أو مدائن صالح وقومه من ثمود. ونزل اليهود ببعض قرى هذا الوادى مثل خيبر وفدك، وامتدوا إلى تيماء فى الشمال ويثرب فى الجنوب. وكان ينزل فى هذه الجهات قبل الإسلام قبائل عذرة وبلىّ وجهينة، وقضاعة وكانت تمتد عشائرها إلى شبه جزيرة سيناء. وعثر المنقبون فى وادى القرى على نقوش عربية جنوبية وأخرى شمالية كالثمودية واللّحيانية. وأهم مدن الحجاز مكة واسمها