للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطبيعة أحيانا، ولجبل بن يزيد رسالة جيدة فى وصف الأمطار عقب سنة مجدبة أهلكت الحرث والضرع حتى استيأس الناس، وهى تمضى على هذه الشاكلة (١):

«عادت لنا من لله عائدة رحمة بولى (٢) مطر أنزله الله بأحسن ما رأينا من المطر، وابلا جودا (٣)، لا يفتر غزيره، ولا يرعوى جوده إلا إلى ديمة (٤) عن ديمة، يتراخى إليها يسيرا ريثما تعود، فأقامت علينا سماؤه مستهلّة (٥) بذلك إلى غروب الشمس، ثم انقطع مطرها بسكون من الريح وفتور من القرّ (٦) وفضل من الله عظيم ينشر به رحمته، ويبسط به رزقه، فأسبغ النعمة، وأوسع البركة، وأوثق (٧) بحمد الله معارف الخصب. والله محمود على آلائه (٨)، مشكور على بلائه (٩)، وما أنزل من سقياه ورحمته بعد الذى أقبلت به السّنة البرّيّة (١٠)، والقحط وعدم الإمطار، وشدة ما بلغ الناس من القنوط (١١) وسوء الظنون».

ومرّ بنا فى حديثنا عن الشعر أن الشعراء كانوا أحيانا يصفون روعة شعرهم وقدرتهم على استنباط الدرر واللآلئ الشعرية، ومعروف ان من أكثرهم ترديدا لهذا الوصف أبا تمام، ونرى صديقه الحسن بن وهب يكتب إليه رسالة بديعة يجعل موضوعها وصف شعره الرائع الذى كان يخصّه أحيانا ببعض منظوماته مشيدا ببلاغته، على نحو ما أشاد ببلاغة ابن الزيات فى وصفه لقلمه المشهور، وكأن الحسن بن وهب رأى أن يجاريه فى هذا المضمار نثرا لا شعرا، فكتب إليه هذه الرسالة (١٢):

«أنت-حفظك الله-تحتذى من البيان فى النّظام، مثل ما يقصد بحر من الدرر فى الأفهام، والفضل لك-أعزك الله-إذ كنت تأتى به فى غاية الاقتدار، على غاية الاقتصار، فى منظوم الأشعار، فتحلّ متعقّده،


(١) جمهرة رسائل العرب ٣/ ١٣٧.
(٢) ولى المطر: الذى يسقط دفعة بعد دفعة.
(٣) الجود: المطر الغزير.
(٤) الديمة: المطر المنهمر بدون برق ولا رعد.
(٥) مستهلة: منصبة.
(٦) القر: البرد.
(٧) أوثق هنا: أنبت وأعشب.
(٨) الآلاء: النعم.
(٩) البلاء هنا: الإحسان.
(١٠) البرية: المجدبة.
(١١) القنوط: اليأس.
(١٢) زهر الآداب ٣/ ٢٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>