للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«قد بعثت إلى أمير المؤمنين بفرس، يلحق الأرانب فى الصّعداء (١)، ويجاور الظّباء فى الاستواء، ويسبق فى الحدور (٢) جرى الماء، فهو كما قال تأبّط شرّا:

ويسبق وفد الريح من حيث ينتحى ... بمنخرق من شدّة المتدارك (٣)»

وأكثروا من التهانى مع كل مناسبة، فهم يهنئون الخلفاء حين جلوسهم على أريكة الخلافة، وهم يهنئون الوزراء حين استيلائهم على مقاليد الحكم، وهم يهنئون بالزواج وعقد القران، وهم يهنئون بإنجاب الأولاد، وهم يهنئون بحكم الولايات، وهم يهنئون بنعمة الحج وقضاء مناسكه، وهم يهنئون بالظفر على الأعداء، ولإبراهيم بن المهدى من رسالة هنأ فيها المعتصم بخروجه عن أرض الروم بعد فتحه لعمورية (٤):

«الحمد لله الذى تمّم لأمير المؤمنين غزوته، فأذلّ بها رقاب المشركين وشفى بها صدور قوم مؤمنين، ثم سهل الله له الأوبة سالما غانما. . .

وليهنئه ما كتب الله له مما أحصاه فلا ينساه، ليقفه به موقفا يرضاه، فإنه عزّ وجلّ يقول: ({إِنَّ اللهَ اِشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ، يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ، وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ، وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ، فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ، وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).} فطوى الله لأمير المؤمنين نازح البعد برّا وبحرا، ووقاه وصب السفر سهلا ووعرا، وحاطه بحراسته كالئا، ودافع عنه بحفظه راعيا، حتى يؤدّيه إلى المحل من داره، والوطن من قراره، وجزاه عن الإسلام خاصة ورعيته كافة».

وعلى هذا النحو لم يترك الكتاب فنا من فنون الشعر إلا كتبوا فيه وعبروا عنه بكتاباتهم موجزين تارة ومطنبين تارة أخرى، محاولين بكل ما استطاعوا أن يظهروا القارئ على براعتهم وتفننهم فى الأداء، وقد مضوا مثل الشعراء يعرضون لوصف


(١) الصعداء: الصعود الشاق.
(٢) الحدور: الجرى السريع.
(٣) وفد الربح: جماعاته، ينتحى: يقصد. بمنخرق: بمتسع. شده: عدوه، المتدارك. المتتابع.
(٤) جمهرة رسائل العرب ٤/ ٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>