للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نقص أكثر وأىّ دناءة أبين من أن يكون امرؤ بمنزلة ثقة قد حفظت منه حرمة، واعتقدت بها عليه أمانة، فوجبت منه مصافاة، وانتظرت منه صلة، ثم ينكشف عن خيانة وغدر وقطيعة وفجيعة؟

وغسان يصور هنا مذمة قطيعة الإخوان، ويجعلها فجيعة فيمن اؤتمن فخان وعاهد فغدر، وأى غدر؟ إنه غدر بالحرمة التى قامت بينه وبين إخوانه، حرمة الوداد الصادق الذى لم يحدث فجأة، إنما حدث عن طول اختيار وتفقد وتوقف وتثبت، فإذا من وثقت فيه وملّكته زمام نفسك قد نكث كل عهوده، بل قد طعن الأخوة المفقودة الطعنة التى ليس منها برء ولا إقالة. وأطال غسان فى تصوير وقيعة واش به لصديقه وما يراه على نفسه وعلى صديقه من حقوق الأخوة وأن لا يأخذ بالظنة وأقوال الوشاة الكاذبين. والرسالة أشبه ببحث واسع فى واجبات الإخوان وحقوقهم.

وعلى هذا النحو أخذ بعض الكتّاب ينمّون الرسائل الإخوانية حتى غدت رسائل أدبية بديعة، وكان ابن المقفع-كما أسلفنا-قد ترجم عن الفارسية كثيرا من الرسائل الأدبية التى تتصل بالأخلاق وسلوك الناس مع أولى الأمر فى الحياة العامة كما تتصل بالسياسة وتدبير الحكم، وأيضا فإنه ترجم قصص كليلة ودمنة، وكل ذلك أخذ بعض الكتّاب يحاكونه، من ذلك ما يذكره ابن النديم عن العتّابى من أن له رسالة فى فنون الحكم ورسالة أخرى فى الآداب (١)، ويذكر عن محمد بن الليث الكاتب أنه كتب ليحيى البرمكى كتابا فى الأدب (٢)، وأن لسعيد بن هرون أحد خزنة دار الحكمة للمأمون رسالة فى الحكمة ومنافعها (٣)، وأن للعتبى المتوفى سنة ٢٢٨ للهجرة كتابا فى الأخلاق (٤)، ومر بنا أن على ابن عبيدة الريحانى الكاتب فى دواوين المأمون صنف كتبا مختلفة فى الحكم والأمثال.

وكل هذه الرسائل كان يراد بها أن ترشد الناس فى حياتهم إلى الخير بما تقدّم لهم من الأمثال وتفصّل من الحكم. وأخذ بعض الكتّاب يعنون بالكتابة فى السياسة، على هدى ترجمات ابن المقفع فيها، على نحو ما يذكر ابن النديم عن أبى دلف (٥) العجلى وسهل (٦) بن هرون، واشتهر سهل بأنه استوحى كليلة


(١) الفهرست ص ١٧٥.
(٢) الفهرست ص ١٧٥.
(٣) الفهرست ص ١٧٤.
(٤) الفهرست ص ١٧٦.
(٥) الفهرست ص ١٦٩.
(٦) الفهرست ص ١٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>