للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بوفاء، وتؤدّى بأمانة، وتضيّع بتقصير، وتنتقص بخيانة، ليس من أدّيت إليه فيما يحفظ منها بأسعد من المؤدّى لها فيما يأخذ به من الفضل لنفسه، وليس من ضيّعت منه بأشقى ممن ضيّعها فيما يدخل من التقصير عليه، فإن من أخطأه الوفاء من أخيه فإنما يدخل عليه تقصير غيره، ومن ضيّع الوفاء لإخوانه فقد أدخل النّقص فى خاصّة نفسه، والمرء يجد من أخيه إذا خانه بدلا، ولا يجد عن نفسه إذا قصّرت به متحوّلا، وليس نقص يستبدل به كنقص لا يستطيع مزايلته».

وغسان يتحدث عما بين الناس من حرم وحقوق ومودة وأخوة، ويرى أنه لا بد للأخوة من الوفاء الذى يحفظ على الإخوان عهودهم، ولا بد لها من الأمانة التى تمنع الخيانة بين الإخوان وتحول بينهم وبين القطيعة المرذولة، ولا بد لها من النهوض بجميع متطلباتها من الصيانة والثقة وتوطين النفس على أن لا يقوم هجران بين الأخ وأخيه. ويأخذ غسان فى تصوير معنى دقيق غاية الدقة، وهو أن من يؤدى حقوق الأخوة إلى أخيه لعله أكثر منه سعادة بما يؤدى إليه منها، وكذلك من يضيع حقوقها لعله أشقى من أخيه الذى يغمّه تضييع هذه الحقوق، لأنه إنما يدخله الغم بتقصير غيره، أما صاحبه المضيّع لتلك الحقوق فإنه يدخل لغم والشقاء والنقص على نفسه بنفسه، والأول يجد من أخيه إذا خانه عوضا فى أخ آخر صادق، أما الثانى فإنه لا يخسر شخصا ولا أخا، إنما يخسر نفسه التى بين جنبيه بما أدخل عليها من كرب الخيانة، وليست خسارة يمكن تلافيها، كخسارة لا يمكن مزايلتها، ولا يجد صاحبها عنها حولا ولا منصرفا. ويمضى غسان يفصل القول فى خيانة الأخ لأخيه وتضييعه لنعمة الوفاء التى أنعم الله بها على عباده، وما يلبث أن يقول:

«ليس من كانت منه فجيعة لأهل الإخاء والحرمة الذين ارتادوا ارتيادا واختار واختاروا فوقع رأيه عليهم، ووقع رأيهم عليه، وارتضوه لأنفسهم، وارتضاهم لنفسه، واقتصروا عليه بمودتهم، واقتصر عليهم بمودته، فحمّلوه أخوتهم، وحملهم أخوته، واسترعوه الوفاء لهم، حتى ثبّت الله بينهم وبينه ما كان داعيا لكل رأى جميل، نافيا لكل صنيع معيب، وأمر مريب، فأىّ

<<  <  ج: ص:  >  >>