للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يؤجل ذلك إلى الغد حتى يكون إعلان إسلامه فى حفل عظيم، وحدث أن حضر طعام العشاء، فلاحظ عيسى أنه يأكل ويزمزم، أو بعبارة أخرى يدعو بأدعية المجوس، فسأله عيسى: أتصنع ذلك وأنت على نية الإسلام، فأجابه: كرهت أن أبيت على غير دين. وظل بعد إعلانه الإسلام يعمل فى دواوينه.

واتفق أن خرج عبد الله بن على عم المنصور وواليه على الشام، إذ أعلن ثورته عليه، غير أن جيوش المنصور هزمته، ففرّ إلى أخويه سليمان وعيسى، فطلبه المنصور منهما، فأبيا أن يسلماه إليه إلا إذا كتب له أمانا، فقبل ما عرضاه، وكلفهما كتابته، فأمرا ابن المقفع أن يكتبه، فكتبه، وتشدّد فيه تشددا أغضب المنصور وأحفظه وملأه موجدة، إذ طلب إليه أن يكتب فى أسفل الأمان هذا التوقيع (١):

«وإن أنا نلت عبد الله بن على أو أحدا ممن أقدمه معه بصغير من المكروه أو كبير، أو أوصلت إلى أحد منهم ضررا سرّا أو علانية، على الوجوه والأسباب كلها، تصريحا أو كناية أو بحيلة من الحيل، فأنا نفىّ من محمد بن على ابن عبد الله، ومولود لغير رشدة، وقد حلّ لجميع أمة محمد خلعى وحكمى والبراءة منى، ولا بيعة لى فى رقاب المسلمين ولا عهد ولا ذمة، وقد وجب عليهم الخروج من طاعتى وإعانة من ناوأنى من جميع الخلق، ولا موالاة بينى وبين أحد من المسلمين. وهو متبرئ من الحول والقوة، ومدّع إن كان، أنه كافر بجميع الأديان، ولقى ربه على غير دين ولا شريعة، محرّم المأكل والمشرب والمناكح والمركب والرّق والملك والملبس على الوجوه والأسباب كلها. وكتبت بخطّى، ولا نية لى سواه، ولا يقبل الله منى إلا إياه، والوفاء به».

واحتدم المنصور غيظا حين قرأ هذا الأمان وسأل عن كاتبه، فقيل له ابن المقفع كاتب عيسى بن على عمك، فقال: أما أحد يكفينيه؟ وأوعز إلى سفيان بن معاوية المهلبى عامله على البصرة حينئذ أن يقتله، وتصادف أن كان يضطغن عليه، فانتهز فرصة قدومه إليه ذات مرة، وأمر بتنّور، فملئ وقودا


(١) الجهشيارى ص ١٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>