للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«راهبون» وفى الفهرست «رامنوى» وفى حياة الحيوان للدميرى «راهويه». وهو فارسى الأصل، وعلى نحو ما اختلف الرواة فى اسم جده اختلفوا فى مسقط رأسه، فقيل إنه من أهل دستميسان، وهى كورة بين البصرة وواسط والأهواز، وقيل إنه من أهل ميسان قرية بتلك الكورة، وقيل إنه من أهل نيسابور. ولا يعرف تاريخ مولده، وأغلب الظن أنه ولد حوالى منتصف القرن الثانى الهجرى، وقد ترك مسقط رأسه مبكرا إلى البصرة، وأقبل على التزود من ينابيع الثقافة التى كانت منبثّة بها، وخاصة علم الكلام وما نقل عن الأجانب من مختلف الترجمات فارسية ويونانية وهندية، وأخذ هو نفسه يشارك فى ترجمة بعض الرسائل عن لغته الأصلية.

وتجذبه بغداد إليها آملا أن ينال بها شيئا من المجد والشهرة، وسرعان ما يقرّبه يحيى البرمكى وزير الرشيد منه، فيلحقه بالدواوين، حتى إذا أسس الرشيد دار الحكمة عين بها للإشراف على بعض الكتب وبعض ما كان يترجم فيها من الآداب الأجنبية، إذ كان أحد النقلة النابهين من لسانه الفارسى إلى العربية.

وفى أثناء صلته بالبرامكة وبعد نكبتهم سنة ١٨٧ للهجرة انعقدت صداقة وثيقة بينه وبين الفضل بن سهل مدبر شئون المأمون ومستشاره وكاتبه، فقدّمه إلى المأمون، فأعجب ببلاغته وصحة منطقه وذكائه، حتى إذا تحوّلت الخلافة إليه وأخذ يعنى بشئون دار الحكمة عنايته الواسعة المعروفة، إذ حولها إلى ما يشبه أكاديمية ضخمة، جعله قيّما على خزائن كتب الفلسفة التى جلبت من قبرص، ليشرف على نقلها إلى العربية. وكان يلزم المأمون فى مجالسه وندواته التى كان يعقدها لكبار العلماء والمتكلمين. وما زال خازنا بدار الحكمة حتى توفى سنة ٢١٥ للهجرة.

واشتهر سهل فى زمانه بالحكمة والبلاغة حتى سماه معاصروه بزرجمهر الإسلام، إشارة إلى أنه يحل فى العربية محل بزرجمهر فى الفارسية وما أثر عنه من حكم وأمثال كثيرة، ووصفه الجاحظ فقال: «كان سهل سهلا فى نفسه عتيق الوجه (١)، حسن الشارة، بعيدا من الفدامة (٢)، تقضى له بالحكمة قبل الخبرة


= ابن زيدون لابن نباتة (نشر دار الفكر العربى) ص ٢٤٢ وحياة الحيوان للدميرى ١/ ٥١٣ وحولية الجامعة التونسية العدد الأول سنة ١٩٦٤.
(١) عتيق الوجه: جميل.
(٢) الفدامة: العى.

<<  <  ج: ص:  >  >>