للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وابنا أبى سلمى زهير وابنه ... وابن الفريعة حين جدّ المقول (١)

والجعفرىّ وكان بشر قبله ... لى من قصائده الكتاب المجمل (٢)

ولقد ورثت لآل أوس منطقا ... كالسّمّ خالط جانبيه الحنظل (٣)

والحارثىّ أخو الحماس ورثته ... صدعا كما صدع الصّفاة المعول (٤)

ويخيل إلى الإنسان أنه لم يبق عربى فى العصر الإسلامى وما وليه من أوائل العصر العباسى إلا وهو يروى الشعر الجاهلى، إن هو تحدث أو وقف خطيبا، وتمثّل الحجاج بالشعر فى خطابته ذائع مشهور. وإذا كنا لاحظنا فى الجاهلية أن الرواة الموصوفين بهذا الاسم كانوا عادة من الشعراء، فإننا نلاحظ فى العصر الإسلامى نشوء طائفة من الرواة، لم يكونوا ممن يحسنون نظم الشعر، فهم لا يروونه لغرض تعلمه، وإنما يروونه لغرض نشره فى الناس وإذاعته، وإليهم يشير جرير بقوله فى وصف بعض قصائده (٥):

خروج بأفواه الرواة كأنها ... قرا هندوانىّ إذا هزّ صمّما (٦)

وفى أخباره أنه كان له رواة يلزمونه ويأخذون عنه شعره، وكذلك كان الفرزدق.

ولم يكونوا يروون شعرهما فحسب بل كانوا ينقحونه ويهذبونه، فعن شيخ من هذيل قال: «جئت الفرزدق. . ودخلت على رواته فوجدتهم يعدلون ما انحرف من شعره. . ثم أتيت جريرا. . وجئت رواته وهم يقوّمون ما انحرف من شعره وما فيه من السناد (٧)». وفى رأينا أن ظهور هذه الطبقة من الرواة إنما نشأ من العناية الشديدة برواية الشعر القديم والحديث، وكأنما لم يعد للناس من شغل وراء هذه العناية، فمنهم من يتخصص برواية شعر المعاصرين ومنهم من يتخصص برواية الشعر الجاهلى كيونس بن متى راوية الأعشى (٨).


(١) ابن الفريمة: حسان بن ثابت.
(٢) الجعفرى: لمبيد، وبشر هو بشر بن أبى خازم.
(٣) أوس: أوس بن حجر.
(٤) الحارثى: النجاشى.
(٥) النقائض ص ٤٣٠.
(٦) قرا: متن، والهندوانى: السيف.
(٧) أغانى (طبعة دار الكتب) ٤/ ٢٥٦ وما بعدها.
(٨) راجع فى تحقيق اسم هذا الراوى مصادر الشعر الجاهلى ص ٢٣٨ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>