للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صنعاء اليمن، ويتخذه سميرا له يسأله عن الأخبار المتقدمة والملوك السالفة، وهاله ما عنده من العلم بذلك، فاتخذ غلمانا يقيدون فى دفاتر ما يذكره من سير الملوك وأخبارها ووقائع العرب وأيامها فى الجاهلية وأشعارها (١).

ومنذ وقت مبكر فى صدر الإسلام نرى القصاص يجلسون للعظة فى المسجد الجامع. وكانوا كثيرا ما ينثرون الأشعار الجاهلية التى تتصل بوعظهم فى تضاعيف قصصهم. وقد أخذت تنشأ جماعة مثل أبان بن عثمان بن عفان وعروة بن الزبير تعنى بغزوات الرسول وما قيل فيها من الشعر، وأخذ يظهر بجانبهم جماعة تعنى بأخبار العرب الماضين وما كان يجرى على ألسنة شعرائهم. وفى أثناء ذلك كان الشعراء الإسلاميون أنفسهم يعنون عناية شديدة برواية الشعر القديم، وبلغ من اهتمام بعضهم بذلك أن أصبح مؤدبا للناشئة يروّيها الشعر القديم على نحو ما نعرف عن الكميت والطرماح (٢). ولم يكن هناك شاعر مبرز إلا وهو يروى للجاهليين وينشد من شعرهم، وفى كتب الأدب إشارات مختلفة إلى ما أخذه العلماء عن أمثال ذى الرمة والفرزدق وجرير ورؤبة من هذا الشعر (٣)، وصوّر الفرزدق مدى روايته ومعرفته للشعر الجاهلى، فقال فى بعض قصيده (٤):

وهب القصائد لى النوابغ إذ مضوا ... وأبو يزيد وذو القروح وجرول (٥)

والفحل علقمة الذى كانت له ... حلل الملوك كلامه لا ينحل

وأخو بنى قيس وهنّ قتلنه ... ومهلهل الشعراء ذاك الأوّل (٦)

والأعشيان كلاهما ومرقّش ... وأخو قضاعة قوله يتمثّل (٧)

وأخو بنى أسد عبيد إذ مضى ... وأبو دؤاد قوله يتنخّل


(١) انظر مصادر الشعر الجاهلى ص ١٥٩ والفهرست ص ١٣٢.
(٢) البيان والتبيين ١/ ٢٥١، ٢/ ٣٢٣.
(٣) مصادر الشعر-الجاهلى ص ٢٢٥ وما بعدها.
(٤) نقائض جرير والفرزدق ص ٢٠٠ والديوان (طبع القاهرة) ص ٧٢٠.
(٥) النوابغ: النابغة الذبيانى والجعدى والشيبانى، وأبو يزيد: المخبل، وذو القروح: امرؤ القيس، وجرول: الحطيئة.
(٦) أخو بنى قيس: طرفة، وهن قتلنه: يريد القوافى، لأنه قتل بسبب بعض أهاجيه.
(٧) الأعشيان: أعشى بنى قيس وأعشى باهلة وأخو قضاعة: أبو الطمحان القينى.

<<  <  ج: ص:  >  >>