للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تدوين عمر للدواوين حاجة شديدة لمعرفة الأنساب، إذ كانت تلعب دورا مهم فى رواتب الجند الفاتحين وفى مراكز القبائل بالمدن الجديدة التى خطّطوها مثل البصرة والكوفة. وكان بين العرب قديما من يشتهرون بمعرفة الأنساب، ولكن فى هذا العصر الإسلامى إلى تمامه يصبح لهؤلاء النسابين شأن خطير، إذ كان العرب يرجعون إليهم فى معرفة أصولهم، وكثيرا ما كانوا يسوقون لهم قطعا من الشعر تحدد نسبهم، ومن أشهرهم عقيل بن أبى طالب ومخرمة بن نوفل ودغفل والنّخار بن أوس العذرى (١).

ونحن لا نصل إلى الحرب التى نشبت بين على ومعاوية حتى تشتعل العصبيات القبلية اشتعالا لم تخب نيرانه حتى نهاية العصر الأموى، وكان الشعر الوقود الجزل لهذه العصبيات، فأخذت كل قبيلة تعنى برواية شعرها الجاهلى الذى يصور مناقبها ومثالب خصومها، ويتناقله أبناؤها، فهو جعبة سهامهم التى يوجهونها إلى خصومهم.

ومن غير شك كان ذلك أكبر عون على حفظ الشعر الجاهلى، فقد حملته القبائل طوال القرنين الأول والثانى حتى أدوه إلى العلماء الذين عنوا بتدوينه (٢).

وكانت الدولة الأموية عربية النزعة، فعملت على حفظ هذا التراث، بما كانت تروى منه، نجد ذلك عند معاوية وعبد الملك بن مروان وغيرهما من الخلفاء، وكانوا كثيرا ما يسألون وفود القبائل التى تفد عليهم عن بعض شعرائها، وقد ينشدون بيتا ويسألون عن صاحبه وقصيدته، ومن تحسن إجابته تحسن له جائزتهم (٣). وكان أبناؤهم على غرارهم «وكانوا ربما اختلفوا فى بيت من الشعر أو خبر أو يوم من أيام العرب فيبردون فيه بريدا إلى العراق (٤)» يسألون علماءها عن صحة الأمر فيه وصوابه.

وأقام لهم آباؤهم غير مؤدب يروّيهم أشعار الجاهلية وأيامها وأخبارها، ويلقانا هؤلاء المؤدبون فى كل مكان يؤدبون الناشئة، وفى البيان والتبيين فصل طويل يحصى فيه أسماءهم.

ومما يدخل فى عناية الأمويين بالشعر الجاهلى ما يروى عن معاوية من شغفه بالمسامرة ومعرفة أخبار الماضين، مما جعله يستدعى عبيد بن شريّة الجرهمى من


(١) انظر فى هؤلاء النسابين وفيما نسوقه هنا من اتصال رواية الشعر الجاهلى حتى القرن الثانى الباب الثالث من كتاب مصادر الشعر الجاهلى.
(٢) راجع مصادر الشعر الجاهلى ص ٢٣١ وما بعدها.
(٣) انظر الأغانى ٣/ ٩١.
(٤) التصحيف والتحريف للعسكرى ص

<<  <  ج: ص:  >  >>