دواوينه، وأذعن لرغبته، وظل يعمل فى الدواوين هناك، حتى بعث طاهر بن الحسين فى سنة ١٩٨ إلى المأمون برأس أخيه الأمين؛ فلما رآها تأثر، وقال للفضل ابن سهل: ينبغى أن تأمر الكتّاب بكتابة رسالة عن طاهر يخبرنى فيها بهذا الخبر، مع الاحتيال للاعتذار منه، لتقرأ على الناس، فكتب الكتّاب عدة كتب لم يرضها الفضل واستطالها. ولم يلبث أحمد بن يوسف أن كتب رسالة محكمة موجزة فى شبر من قرصاس كما يقول بعض الرواة، فلما عرضها على الفضل رجّع نظره فيها مستحسنا متعجبا من بلاغته ودقة بيانه، ثم قال له: ما أنصفناك وأمر بصلات وفرش وكسى وآلات. وقال له: إذا كان الغد فاقعد فى الديوان وليقعد جميع الكتاب بين يديك، واكتب بذلك إلى الآفاق.
ويدور العام، فيجعل المأمون الحسن بن سهل نائبه على بغداد، نميصطحبه معه، وكأنّ أخاه الفضل آثره به، ليعينه فى عمله، ويكتب له فى دواوينه.
ويقدم المأمون إلى بغداد بعد خمس سنوات، فيصبح كاتبه على ديوان الرسائل كما يصبح أثيرا عنده قريبا من نفسه، لظرفه ورقته. وكان فيه ميل شديد إلى الترف فعاش عيشة يحفها النعيم فى الفرش وأوانى الطعام وألوانه. وشارك فى متاع عصره من الشراب والسماع للقيان، ولكن دون إغراق ومع الاحتفاظ بمروءته وكرامته.
ولما توفى أحمد بن أبى خالد وزير المأمون سنة ٢١١ شاور الحسن بن سهل فيمن يخلفه على الوزارة فأشار عليه بابن يوسف، فاستوزره ورفع منزلته، فكان يعرض القصص أو رفاع الشكوى عليه، ويوقع عليها بما يلائمها من العبارات، غير أنه لم يلبث أن وافاه القدر سنة ٢١٣ للهجرة، ويقال إنه أشرف، وهو على وشك الاحتضار على بستان داره وكانت مطلة على دجلة، فظل يتأمله ويتأمل دحلة، ثم تنفس، وقال:
ما أطيب العيش لولا موت صاحبه ... ففيه ما شئت من عيب لعائبه
وسرعان ما التقمه الموت. ولأخيه القاسم الشاعر رثاء له يتفجع فيه تفجعا، وكانت له جارية يقال لها نسيم كانت تحظى بحبه ويشغف بها شغفا شديدا، فقالت ترثيه: