للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو أن ميتا هابه الموت قبله ... لما جاءه المقدار وهو هيوب

ولو أن حيّا قبله جازه الرّدى ... إذن لم يكن للأرض فيه نصيب

وهو يعدّ فى الذروة من كتّاب الدواوين فى العصر العباسى الأول. لبلاغته ودقة تفكيره وحسن تأتيه فى الرسائل الديوانية السياسية والرسائل الإخوانية الشخصية، وأول ما نقف عنده رسالته التى أشرنا إليها آنفا، والتى كتبها للناس على لسان طاهر بن الحسين، وهى تجرى على هذه الصورة (١):

«أما بعد، فإن المخلوع وإن كان قسيم أمير المؤمنين فى النّسب واللّحمة (القرابة) فقد فرّق حكم الكتاب والسّنّة بينه وبينه فى الولاية والحرمة، لمفارقته عصمة الدين، وخروجه من الأمر الجامع للمسلمين، يقول الله عزّ وجلّ فيما اقتصّ علينا من نبأ نوح وابنه: {(يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ، إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ)} ولا صلة لأحد فى معصية الله، ولا قطيعة ما كانت القطيعة فى ذات الله.

وكتبت إلى أمير المؤمنين، وقد قتل الله المخلوع وردّاه (٢) رداء نكثه، وأحصد (٣) لأمير المؤمنين أمره، وأنجز له ما كان ينتظر من وعده، فالأرض بأكنافها (٤) أوطأ مهاد لطاعته، وأتبع شئ لمشيئته. . . والحمد لله الآخذ لأمير المؤمنين بحقه، والكائد له من خان عهده ونكث عقده، حتى ردّ به الألفة بعد فرقتها، وجمع به الأمة بعد شتاتها، وأحيا به أعلام الدين بعد دروسها (٥)، والسلام على أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته».

ودقة التعبير واضحة فى الرسالة، وكذلك المهارة فى تصوير عصيان الأمين والربط بينه وبين عصيان ابن نوح وما وصفه به القرآن من دفعه عن بنوّة أبيه وقرابته. وبذلك لم تعد للأمين ولاية ولا حرمة، فقد خرج من أهله، وهو إنما تولى الخلافة ميراثا منهم، وقد نكث عهده فى الوفاء لأخيه بولاية العهد من بعده، هذا العهد الذى كتبه بيده وعلّقه أبوه هرون على الكعبة، حتى لا يستطيع الخروج منه، وقد نال الجزاء خيانته، وعادت الأمور إلى نصابها، فاجتمعت كلمة الأمة


(١) زهر الآداب ٢/ ١٣٠ ومعجم الأدباء ٥/ ١٦٧ والجهشيارى ص ٣٠٤.
(٢) ردّاه: ألبسه.
(٣) أحصد: قوى وأحكم.
(٤) أكنافها: نواحيها.
(٥) دروسها: امحائها.

<<  <  ج: ص:  >  >>