للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به قواهم، وتمت به أدواتهم، مع أثر تدبير الله عزّ وجلّ وتقديره فيهم، حتى صاروا إلى الخلقة المحكمة، والصورة المعجبة، ليس لهم فى شئ منها تلطّف يتيمّمونه، ولا مقصد يعتمدونه من أنفسهم، فإنه قال تعالى ذكره: {(يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ).} ثم ما يتفكّرون فيه من خلق السموات، وما يجرى فيها من الشمس والقمر والنجوم مسخرات، على مسير من تصاريف الأزمنة التى بها صلاح الحرث والنّسل وإحياء الأرض ولقاح النبات والأشجار، وتعاور (١) الليل والنهار، ومرّ الأيام والشهور والسنين التى تحصى بها الأوقات. ثم ما يوجد من دلائل التركيب فى طبقات السقف (٢) المرفوع، والمهاد (٣) الموضوع، باتساق أجزائه والتئامها، وخرق الأنهار وإرساء الجبال. ومن البيان الساهد على ما أخبر الله عزّ وجلّ به من إنشائه الخلق حدوثه بعد أن لم يكن، مترقيا فى النماء، وثباته إلى أجله فى البقاء، ثم محاره (٤) منقضيا إلى غاية الفناء. ولو لم يكن له مفتتح عدد، ولا منقطع أمد، ما ازداد بنشوء ولا تحيّفه نقصان، ولا تفاوت على الأزمان.

ثم ما يوجد عليه منفعته من ثبات بعضه لبعض وقوام كل شئ منه بما يسّر له فى بدء استمداده، إلى منتهى نفاده، كما احتج الله عزّ وجلّ على خلقه، فقال:

{(أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً)} وقال عزّ وجلّ: {(كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ).} وكل ما تقدّم من الإخبار عن آيات الله عزّ وجلّ ودلالاته فى سمواته التى بنى، وأطباق الأرض التى دحا (٥)، وآثار صنعه فيما برأ، وذرأ (٦)، ثابت فى فطر العقول حتى يستجرّ أولى الزّيغ ما يدخلون على أنفسهم من الشّبهة فيما يجعلون له من الأضداد، والأنداد، جل عما يشركون. ولولا توحّده بالتدبير، عن كل معين وظهير، لكان الشركاء جدراء أن تختلف بهم إراداتهم فى الخلق، ولأمكن التخلف فيه من إثبات وإزالة فيخلو من أحد وجهيه، وأيهما كان فيه فالعجز والنقص فيما ذرأه وبرأه، جلّ البديع خالق الخلق ومالك الأمر عن ذلك، وتعالى


(١) تعاور: تداول.
(٢) السقف المرفوع: السماء.
(٣) المهاد الموضوع: الأرض.
(٤) محاره: رجوعه.
(٥) دحا: بسط.
(٦) برأ وذرأ: خلق.

<<  <  ج: ص:  >  >>