وواضح أن أحمد بن يوسف تحوّل بهذا التحميد إلى ما يشبه مقالة من مقالات المتكلمين، فهو يورد فيه الحجج على وجود الله الذى أنشأ العالم وخلق الإنسان فى صورة مقدرة محكمة، وقد أعطاه من العقل ما يجعله إذا فكر فى خلق السموات والأرض يؤمن بأن للعالم إلها، لما يجرى فى أفلاكه من نظام دقيق لا بد له من منظم، أحكم تصاريف الأوقات التى يتم بها صلاح كل حى فى الأرض من إنسان وحيوان ونبات كما أحكم صنعة الكون فى عالم السماء وعالم الأرض بما مهد فيه من سهول وخطّ من أنهار وأرسى من جبال. ويتعمق فى الدلالة على وجود الخالق البارئ وإنشائه للخلق أنهم يحدثون بعد أن كانوا معدومين وأنهم لا يزالون يرقّون فى النمو حتى تمتد لهم يد الفناء، فلا بد من محدث لهم، وفرق واضح بينه وبين الحادث، فالحادث له أول وله آخر، أو كما يقول:«مفتتح عدد، ومنقطع أمد» أما المحدث فلا أول له فى الزمن ولا آخر. وهو مصدر الوجود وقوامه، وهو مدبّره ومصرّفه. ويقول إن كل ما ذكره من دلالات على وجود الله ثابت فى فطر العقول السليمة، وثابت معه أنه واحد أحد لا شريك له، إلا عند من زاغت عقولهم ممن يجعلون له الأضداد والأنداد كمجوس الفرس الذين آمنوا بأن للعالم إلهين: إلها للخير وإلها للشر، وكغيرهم ممن جعلوا له ندّين أو أكثر، ولو صح ذلك لتفاوتت إرادة الآلهة فى الخلق واختلفوا فيه بين الإثبات والإزالة، وبذلك يخلو الخلق من أحد وجهيه، ويتم العجز والنقص على الله فيما برأه عليه من الحدوث ثم العدم أو من الإثبات ثم الإزالة. وعلى هذا النحو يتطور التحميد عند أحمد بن يوسف فى رسالة الخميس إلى ما يشبه مبحثا كلاميّا فى الدلالة على وجود الله ووحدانيته وحدوث الخلق وفناء العالم. ونلاحظ أيضا فى هذا التحميد أن أحمد بن يوسف يحاول أن ينمق فيه ما وسعه التنميق وجرّه ذلك إلى الاتساع باستخدام السجع فيه، وهو لا يطّرد فى كل صياغات التحميد ولا فى بقية الرسالة، ولكنه يكثر، ونحسّ كأن ابن يوسف يقصد إليه قصدا، وخاصة حين نراه يسجع بين كلمة وكلمة. ويمضى فيتحدث عن نعمة الله على خلقه