الإمامة انتقلت منه إلى ابنه محمد، لأنها تنتقل حتما إلى الابن الأكبر، حتى لو مات فى عهد أبيه. وأخذت تتكوّن سريعا حول محمد الحركة (١) الإسماعيلية، وكان الذى نظّمها ووضع مبادئها عبد الله بن ميمون القداح، وهو فارسى كان واسع المعرفة بجميع المذاهب والأديان، وأخذ فى سرعة يكوّن حول محمد بن إسماعيل جمعية سرية تعمل على تقويض الدولة العباسية، وكان يستعين على جذب الناس إليه بطرق تتناسب مع كل شخص، فأشخاص يجذبهم بالسحر والشعوذة، وأشخاص يجذبهم بإظهار التقوى والنسك. وكان يزعم أن دينه دين النور الخالص، ودعا كل أعضاء جمعيته إلى الاشتراك فى كل ما يكسبون مقيما بينهم ضربا من الألفة. وبدأ بدعوته فى موطنه بالأهواز، ثم تركها إلى البصرة ومعه رفيقة الحسين الأهوازى، وأحسّ بمطاردة والى البصرة لهما، فهرب مع رفيقه إلى «سلمية» بقرب اللاذقية في الشام، ومن هناك أخذ يرسل دعاته إلى العراق، كما أخذ ينظم الدعوة الإسماعيلية باثّا فيها تعاليم مانوية فارسية وفلسفية يونانية غير بعض تعاليم جلبها من فرق الشيعة الغالية كفرقة الخطابية. ودعا فى قوة إلى فكرة التأويل فى الآيات القرآنية حتى يمكن فهم معانيها الباطنة المستترة أو قل معانيها الخفية التى ترمز إليها من بعيد. وزعم أن تاريخ الأمة ينقسم إلى حلقات، كل حلقة يمثلها سبعة من الأئمة، سابعهم هو الإمام الناطق الذى ينسخ بشريعته ما قبله من الشرائع، أما الأئمة الستة قبله فأئمة صامتون.
وزعم أيضا أن أئمة الدعوة قسمان: أئمة حقيقيون مستورون أو مستقرّون، وأئمة بجانبهم مستودعون وهم رءوس الدعاة المسمون بالحجج، وبذلك أصبح هو نفسه إماما مستودعا، وتبعه على ذلك أبناؤه، ومن هنا جاء الشك فى نسب الأسرة الفاطمية الإسماعيلية التى حكمت مصر نحو قرنين من الزمان، فهل كان أئمتها مستقرين أو كانوا مستودعين؟ وجعل ابن ميمون الدعوة مراتب يصعد فيها التابعون، وهى سبع مراتب، مرتبة للعامة، ومرتبة لمن فوقهم، ومرتبه لمن مرّ عليه عام، ومرتبة لمن مرّ عليه عامان، ومرتبة لمن مرّ عليه ثلاثة أعوام، ومرتبة لمن مرّ عليه أربعة أعوام، ثم المرتبة السابعة، وجعلت المراتب فيما بعد تسعا.
وما يلبث عبد الله بن ميمون-وقيل بل ابنه أحمد خلفه-أن يرسل الحسين
(١) انظر فى الحركة الإسماعيلية والقرامطة كتاب عبد العزيز الدورى ص ١٢٦ وما بعدها.