للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأهوازى إلى الكوفة وسوادها ليدعو إلى الجمعية، فالتقى فى السواد بنبطى يحمل بعض الغلات على أثوار له اسمه حمدان، كان أهل قريته يلقبونه-فيما زعم الطبرى- لقبا نبطيّا هو قرمط لاحمرار عينيه الدائم (١)، وزعم بروكلمان أن معنى هذا اللقب المعلم السرى (٢). وكأنما وجد الأهوازى فى هذا الرجل طلبته، فدعاه إلى مذهبه واستجاب له فى حماسة بالغة، وأحسّ الأهوازى بدنو أجله، فعهد إليه برياسة الدعوة، وجدّ فيها. حتى أصبحت له فرقة كبيرة دعيت جميعها باسم القرامطة نسبة إليه.

وكان داهية فأخذ فى تنظيم الحركة، وفرض على جميع أتباعه أن يدفع كل منهم سنويّا درهما واحدا، ثم جعله دينارا تأهبا للانتقال إلى دار الهجرة، وفرض على أهل المرتبة السابعة سبعة دنانير، ولم يلبث أن فرض على كل إنسان من أتباعه أن يؤدى إليه خمس ماله، وأخيرا فرض عليهم جميعا الألفة، وهى الشركة فى الأموال، وبذلك هيّأ لظهور نظام اشتراكى كامل. ولما اطمأن إلى نجاح دعوته أخذ يحلّ لأتباعه ترك الفرائض الدينية وأن يتخذوا بيت القدس قبلتهم ويحجّوا إليه، وزعم لهم أن الصوم يومان فى السنة: يوم عيد المهرجان ويوم عيد النيروز وأن النبيذ حرام والخمر حلال، ووضع قانونا هو أن كل من حاربه وجب قتله، ومن لم يحاربه وخالفه يجب أخذ الجزية منه (٣). وفى سنة ٢٧٧ اتخذ لأتباعه دار هجرة بقرب الكونة سماها «مهماباد» نزلها كثيرون من الرجال والنساء. وكان أكبر معاونيه فى حركته صهره عبدان، ويذكر له كتاب صوّر فيه طريق التابع ومراتبه السبع آنفة الذكر التي تنتهى به إلى الخضوع المطلق للإمام الخفى أو المستتر وممثليه من الأئمة المستودعين.

وأقبل على الانضمام إلى الدعوة كثير من الفلاحين فى سواد الكوفة والبصرة لما وعدتهم به من تغيير ظروفهم الاقتصادية السيئة، إذ كان الملاك الإقطاعيون يسومونهم سوء العذاب مع التقتير الشديد فى الأجور، وانضم إليها أيضا كثير من الطبقة الكادحة فى المدن ممن كانوا يعيشون فى بؤس مدقع، وقد وعدهم جميعا حمدان وأتباعه بأنهم سينقلونهم من الشقاء إلى السعادة ومن الفقر ودله إلى الغنى وعزه. غير أنهم لم يقفوا


(١) طبرى ١٠/ ٢٦.
(٢) تاريخ الشعوب الإسلامية لبروكلمان (الطبعة العربية) ص ٢٢٩.
(٣) طبرى ١٠/ ٢٥ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>