للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جميعا بدعوتهم عند إنشاء مجتمع اشتراكى، إذ مضوا يدعون إلى التحلل من الدين الحنيف وفروضه حتى ليقول البغدادى إنهم أنكروا البعث والحساب والجنة والنار، وقالوا: هل الجنة إلا هذه الدنيا ونعيمها وهل النار وعذابها إلا ما فيه أصحاب الشرائع من التعب والنّصب فى الصلاة والصيام والحج والجهاد (١)، وزعموا: «أن الأنبياء كنوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وكل من ادعى النبوة كانوا أصحاب نواميس ومخاريق أحبوا الزعامة على العامة، فخدعوهم بنيرنجات واستعبدوهم بشرائعهم» (٢). ومضى حمدان يتخذ لهم أعلاما بيضاء دلالة على أن دينهم دين النور، ويقال إنه كان يكتب عليها: {(وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ).}

وقد أرسل مبكرا دعاة إلى اليمن جاهروا فيها بدعوته وأحدثوا شغبا كثيرا، ونزل «كلواذى» وأخذ يدير منها دعوته، ومن أهم دعاته الذين اتخذهم حينئذ أبو سعيد الحسن بن بهرام الجنّابىّ. وجنّابة من قرى بحر فارس، وقد أرسل به إلى جنوبى إيران، واستطاع أن ينشر هناك الدعوة، والتفّ حوله كثيرون اتخذ من نفسه مشرفا على إدارة أموالهم. غير أن ولاة العباسيين تنبهوا لحركته هناك وصادروا ما جمع من أموال، ففرّ على وجهه إلى حمدان، يبلغه الخبر، فأمره أن يتجه إلى منطقة أخرى، واختار له الأحساء فى منطقة البحرين، وهناك استجابت له قبيلة عبد القيس وعشائرها البدوية، واستطاع لسنة ٢٨٦ أن ينشئ فى تلك الأصقاع النائية دولة اشتراكية جعل عاصمتها «المؤمنية» بدلا من «هجر» العاصمة القديمة وهى المسماة اليوم باسم «الهفوف» «وفى السنة نفسها أغار على «القطيف» القريبة من البصرة وقتل من لقيه بها من الرجال والنساء (٣). وفى السنة التالية هددت جنوده البصرة (٤). وأحسّ حمدان بقوته فأخذ يدفع أتباعه إلى الإغارة على قرى السواد، وتصدّى لهم بدر غلام الطائى، وأوقع بهم على غرة بنواحى روذميستان وقتل منهم مقتلة عظيمة (٥). ويعودون إلى الانتشار فى سواد الكوفة لسنة ٢٨٩ ويفتك بهم شبل غلام الطائى ويقع فى أسره قائدهم المعروف بابن أبى قوس (٦)، فيرسل به إلى المعتضد،


(١) الفرق بين الفرق البغدادى (طبعة محمد محيى الدين عبد الحميد ص ٢٩٥.
(٢) المصدر نفسه ص ٣٠٢.
(٣) طبرى ١٠/ ٧١.
(٤) طبرى ١٠/ ٧٥.
(٥) طبرى ١٠/ ٨٢.
(٦) فى الطبرى: فوارس.

<<  <  ج: ص:  >  >>