للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيضرب عنقه، ويصلبه على الجسر فى جماعة من القرامطة، ويذكر ذلك ابن المعتز فى أرجوزته آنفة الذكر، منددا بالدعوة القرمطية، قائلا:

ابن أبى قوس لهم نبىّ ... إمام عدل لهم مرضىّ

خفّف عنهم من صلاة الفرض ... وقال: ناب بعضها عن بعض

فاذهب إلى الجسر تجده فارسا ... على طمرّ (١) لأسير جالسا

وتلك عقبى الغىّ والضلال ... والكفر بالرحمن ذى الجلال

وهو يسجل هنا على القرامطة جهلهم حتى ليزعمون أن ابن أبى قوس نبى، مع تخفيفهم للصلاة وكفرهم بالرحمن، وسجل عليهم فى الأرجوزة قبل هذه الأبيات الشريعة الجديدة التى اتخذوها وأنهم يجاهدون فيها عن إمام مختف لا يظهر أبدا.

ومنذ هذا التاريخ الذى قتل فيه ابن أبى قوس يختفى من العراق وسواده اسم حمدان وصهره عبدان، ونفاجأ بداعية يتولى زعامة القرامطة مكانهما يسمى زكرويه (٢). ويبدو أنهما أحسّا بتغير فى المبادئ التى (٣) كانا يدعوان إليها، فأرسل حمدان بعبدان إلى سلمية ليقف على حقائق الأمور، فوجد أحمد بن عبد الله بن ميمون القداح توفى وخلفه ابنه الحسين، ولما اجتمع به سأله عن الإمام الذى يدعون إليه وعن حجّته، فعجب الحسين من سؤاله، وقال له:

«من هو الإمام إذن؟ » فأجابه عبدان إنه محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق الذى دعا له أبوك وكان حجته، فاستنكر الحسين القداحى إجابته، وقال له:

إن الإمام إنما كان والده، وحلّ هو محله الآن. وعندئذ أدرك عبدان حقيقة القدّاحين وأنهم تظاهروا بالدعوة لمحمد بن إسماعيل خداعا للناس وتمويها عليهم حتى يجتذبوهم إلى صفوفهم. وعاد عبدان إلى حمدان فوقفه على حقيقة الأمر، وأشار عليه بوقف الدعوة وأن يجمع الدعاة ويبين لهم الحقيقة. وأخذ حمدان برأيه، فوقف الدعوة فى الأماكن القريبة منه، ولم يستطع توضيحها لمن كانوا فى الأماكن النائية، وترك كلواذى واختفى هو وصهره عبدان من مسرح التاريخ، ويبدو أن


(١) طمر: فرس.
(٢) كان أحد دعاة قرمط المهمين. الطبرى ١٠/ ٩٤.
(٣) الدورى ص ١٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>