للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مناوشات ليست بذات بال، مما أغرى أبا طاهر بمنازلة بلدان كثيرة فى جنوب العراق سالبا ناهبا سافكا للدماء (١). وفى السنة التالية دخل الرحبة جنوبى قرقيسياء شمالى العراق، ووضع فيها السيف، فبعث إليه أهل قرقيسياء يطلبون الأمان فأمّنها، ثم دخلها. وتوجه إلى الرقة، فأخذها، وتفاقم أمره وكثر أتباعه (٢). حتى إذا كان موسم الحج لسنة ٣١٧ حدثت الطامة الكبرى إذ وافى أبو طاهر الحاجّ يوم التّروية، وهم يهلّون ويلبّون، وقتل الحجاج قتلا ذريعا فى فجاج مكة وداخل البيت الحرام وهم متعلقون بأستاره، ويقال إنه قتل منهم نحو عشرة آلاف، طرح كثير منهم فى بئر زمزم، وعرّى البيت من كسوته وقلع بابه واقتلع الحجر الأسود وأخذه معه إلى هجر، وظل هناك حتى ردّ إلى موضعه فى عهد الخليفة المطيع سنة ٣٣٩. ونهب جميع التحف التى زيّن بها الخلفاء الكعبة على مر الأزمنة وما كانوا رصّعوها به من الجواهر النفيسة، ويقال إنه كان يجلس على باب الكعبة والحجيج يصرعون حوله فى المسجد الحرام، وهو ينشد مثل قوله:

أنا لله وبالله أنا ... يخلق الخلق وأفنيهم أنا

ويقال إنه كان زنديقا لا يصلى ولا يصوم ولا يؤدى فرائض الإسلام، مع تظاهره بأنه مسلم وزعمه أنه داعية عبيد الله المهدى بإفريقيا (٣). ولم يحج أحد منذ هذا التاريخ حتى سنة ٣٢٦، خوفا من شره وشر أتباعه من القرامطة، غير أن شرّه لم ينحسر عن العراق، إذ هاجم الكوفة لسنة ٣١٩، وعاود الهجوم عليها فى سنة ٣٢٥ ونازلته جنود الخلافة فى سنة ٣٣٠، ومات فى شهر رمضان لسنة ٣٣٢ بالجدرى بعد أن تقطعت بسببه أوصاله وأطرافه وهو ينظر إليها، وبعد أن طال عذابه ورأى فى جسده العبر. وخلفه أخوه سعيد (٤) بن الحسن الجنّابىّ، وهو الذى رد الحجر الأسود إلى مكانه بالكعبة، وكان العراق قد دخل فى حكم البويهيين فضعف شأن قرامطة البحرين والأحساء، واضطروا بأخرة إلى الدخول فى طاعة الخلافة العباسية ونبذ عقيدتهم القرمطية.


(١) الهمدانى ص ٥٢ والنجوم الزاهرة ٣/ ٢١٧.
(٢) النجوم الزاهرة ٣/ ٢٢٠.
(٣) الهمدانى ص ٦٢ عريب ص ٩٥ والنجوم الزاهرة ٣/ ٢٢٤.
(٤) الهمدانى ص ١٠٢، ١٣٥ والنجوم الزاهرة ٣/ ٢٢٨، ٢٧٥، ٢٨١

<<  <  ج: ص:  >  >>