للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صولته، ومع إدمانه للخمر أمر بتحريمها وتحريم السماع وقبص على المغنين وكسر آلات اللهو وأمر بتتبع الجوارى من المغنيات (١)، وما زال مخوف السطوة حتى احتيل عليه بعد سنة ونصف من خلافته فخلع وسملت عيناه، وهو أول من عوقب هذا العقاب الصارم من الخلفاء، وهى عادة بيزنطية ذميمة، وقد عاش بعدها سبعة عشر عاما.

وخلفه الراضى بالله ابن أخيه المقتدر سنة ٣٢٢، وكان سمحا جوادا مقربا للعلماء والأدباء، ولم يكن ينصرف عنه أحد من ندمائه إلا بخلعة أو صلة، ومن أهمهم أستاذه الصولى أبو بكر محمد بن يحيى وابن الأنبارى. وخصّه الصولى بترجمة ضافية فى كتابه الأوراق، فى القسم الخاص بأبناء الخلفاء، روى فيها طائفة كبيرة من أشعاره، وهو آخر خليفة له شعر مدوّن، وآخر خليفة انفرد بتدبير الجند، وآخر خليفة خطب فى صلاة الجمعة، وآخر خليفة جالس الندماء (٢). وفى عهده قتل ابن مقلة الأديب والخطاط المشهور بعد أن اعتلى كرسى الوزارة مرارا.

وعظم أمر ابن رائق بعد توليه الوزارة، إذ قلّده الراضى جميع أمور الدولة، غير أنه لم يلبث أن صار محجورا عليه وكالأسير فى يده (٣). وفى أوائل عهده سنة ٣٢٤ شنّ سيف الدولة الحمدانى أول حرب على الدمستق فى آمد (٤)، وتوالت بعد ذلك حروبه مع البيزنطيين.

ويتولى الخلافة المتقى سنة ٣٢٩، وكان ناسكا تقيّا يصوم الدهر، ولم يشرب النبيذ قط ولا اتخذ جلساء ولا ندماء، وكان يقول: المصحف نديمى ولا أريد جليسا غيره، غير أنه كان تعس الحظ إذ جاء بأخرة وقد فسدت الأمور وأفلت الزمام من يد الدولة، لاشتداد المنافسة بين الوزراء والأمراء وخاصة آل البريدى بالموصل. وبلغ من اضطراب الأحوال أن استولى أبو الحسين البريدى على بغداد، ومضى البريدى يسوم الناس ظلما فادحا فى الخراج وغير الخراج ويأخذ أموال التجار وغيرهم غصبا، أما الخليفة فلجأ إلى الحمدانيين فى الجزيرة،


(١) التنبيه والإشراف ص ٣٨٨ والنجوم الزاهرة ٣/ ٢٣٩.
(٢) النجوم الزاهرة ٣/ ٢٧١.
(٣) النجوم الزاهرة ٣/ ٢٥٨.
(٤) نفس المصدر والصفحة.

<<  <  ج: ص:  >  >>