للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما زال ينتقل معهم إلى أن قدموا به إلى بغداد وهرب منها البريدى، وخلع حينئذ على الحسن بن عبد الله بن حمدان ولقبه بناصر الدولة وعلى أخيه علىّ ولقّبه بسيف الدولة (١). ولم تهدأ الأمور فى بغداد فقد تفاقم أمر العيّارين وازداد النهب حتى خلت الدور من أهلها وعطلت المساجد والأسواق وأغلقت الحمامات. وكأنما كتب على المتقى أن يعيش سنى خلافته بائسا تعيسا. حتى القصور وقبابها يصيبها الدمار فقد سقطت لأوائل خلافته قبة قصر المنصور الخضراء، وكأنما كان ذلك إيذانا بأفول نجم الدولة العباسية، إذ كانت تلك القبة تاج بغداد وعلمها المعلم (٢). وفى سنة ٣٣١ زحف الروم على أرزن بأرمينية وميّافارقين ونصيبين بديار بكر، فقتلوا وسبوا كثيرين، وطلبوا من أهل مدينة الرّها منديلا من كنيستها زعموا أن المسيح عليه السلام مسح به وجهه فارتسمت صورته، وقالوا إن سلمتموه لنا أطلقنا كل من بأيدينا من أسرى المسلمين. وكوتب الخليفة المتقى فى ذلك، فاستفتى الفقهاء والقضاة، واختلفوا فى الرأى، ورجحت كفة من قالوا بإعطائهم إياه، لأن خلاص المسلمين من الأسر أوجب، فأرسل المنديل إلى الروم وأطلقت الأسارى، وحملوا المنديل إلى القسطنطينية، وخرج البطريرك ورجال الدين والدولة لاستقباله فى موكب كبير (٣). وما زالت الأمور تسوء والحكم يزداد فسادا، وتوقف جهاد الروم، ونهب الحجاج وقطعت الطرق، وأخذت دعائم الدولة تتداعى تداعيا شديدا، ولم يلبث توزون القائد التركى للمتقى أن غدر به، فقبض عليه وخلعه، لقاء ستمائة ألف دينار أخذها من أحد الطامحين إلى الاستيلاء على الخلافة، وتولت الجارية الشيرازية «حسن» سمل عينيه بيد غلام لها سندى. وعاش بعد خلعه خمسا وعشرين سنة (٤)، ومات توزون بعد خلعه بقليل.

ويخلفه المستكفى سنة ٣٣٣ بعد أن تآمر عليه مع توزون والجارية الشيرازية، ونادرا ما كان يهنأ بأيامه فى الخلافة، إذ كان يتقاذفه الترك وهذه المرأة الجشعة، فلم يهدأ له بال. ولم يدر عليه عام فى خلافته حتى دخل بنوبويه بغداد وصارت


(١) النجوم الزاهرة ٣/ ٢٧٤ وما بعدها.
(٢) النجوم الزاهرة ٣/ ٢٧٠.
(٣) الهمدانى ص ١٣٥ والنجوم الزاهرة. ٣/ ٢٧٨ ومتز ١/ ٥.
(٤) الهمدانى ص ١٤٢ والنجوم الزاهرة ٣/ ٢٨٢ ومتز ١/ ١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>